للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مع الفن بمنطق الحياة أو يقيسه بمعايير الحياة يقع في «خطأ مقولي» ذريع، وقوله خطلٌ لا تجدر مناقشته، إنه، على حد تعبير كلايف بِل، «يقطع جلاميد صخر بموسى حلاقة، أو يستخدم تلسكوبًا لقراءة جريدة.» (١)

الفن عالمٌ قائم بنفسه شأن عالَم الرياضيات أو عالم الوجد الصوفي … من الخطأ الفادح أن نحاول فهم الموضوع الإستطيقي بإدخاله في إطاراتنا الذهنية المعتادة، فالعمل الفني هو من نفسه بمثابة عالمه الخاص! ولا سبيل إلى فهمه إلا على أرضه، وبلوائحه وشروطه، «ومن شاء أن يحس دلالة الفن فعليه أن يتَّضع أمامه، أما الذين يرون أن الأهمية الرئيسية للفن أو الفلسفة هي في علاقتهما بالسلوك أو النفع العملي، أولئك الذين لا يستطيعون أن يقدروا الأشياء كغاياتٍ في ذاتها، أو كسبيلٍ مباشر إلى الانفعال على أية حال، فما يكون لهم أن يظفروا من أيِّ شيءٍ بخير ما يمكن أن يَمنحه، وأيًّا ما كان عالم التأمل الإستطيقي فهو ليس عالم المشاغل والأهواء البشرية، إنه عالم لا تسمع فيه لغو الوجود المادي وصخبه، أو تسمعه كمجرد صدًى لتوافقٍ آخر أكثر جوهرية.» (٢)

[(٣ - ٢) الفن والأخلاق]

الشعر نكدٌ بابُه الشر، فإذا دخله الخيرُ ضعف.

الأصمعي

بين الفن والأخلاق علاقة منطقية دقيقة حتى المفارقة، وتحتاج منذ البداية إلى حنكةٍ كبيرةٍ في ترسيم الحدود وفض الاشتباك، وإلا فهي تفضي إلى جدل عقيم لا يثمر، ونزاع طويل لا ينتهي، فالفن مُوكَّل بمقولة «الإستطيقي»، والأخلاق موكلة بمقولة «الخير»، وبديه أن مقولة «الإستطيقي» مختلفة عن مقولة «الخير»، وأن الفن يوصف بالجودة أو الرداءة (الفنية)، ولا يصح أن يوصف بالشر أو الخير (الأخلاقي)، ومن يفعل ذلك


(١) د. عادل مصطفى: دلالة الشكل، دراسة في الإستطيقا الشكلية وقراءة في كتاب الفن، دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠٠١، ص ٤٤ - ٤٥.
(٢) المرجع السابق، ص ٤٥.

<<  <   >  >>