لعل الموقف الصائب هو موقفٌ بين بين: فرغم أنه من الواضح أن للحيوانات انفعالات معينة، إلا أنه قد لا تكون انفعالات بشرية تمامًا، وقد يميل عشاق الحيوانات المنزلية المدللة إلى إضفاء صفات إنسانية على حيواناتهم، غير أن الطفل المحب لقطته قد يُصدَم حين يراها تقتل فرخَ طائر صغير مدفوعةً بالغريزة، ومُسَيَّرة بإشارات خاصة بها لا يدري عنها شيئًا، وإذا كانت الأنسنة تسهِّل فهمنا للأشياء التي تبدو غريبةً، فإنها إذا تجاوزت حدَّها فقد تُفضي بنا إلى عمى إدراكي يعوقنا عن اتخاذ المنظور الصحيح للكائنات الأخرى.
[(٥) في العلوم الطبيعية]
الطبيعة تكره الفراغ.
الهواء يكره التزاحم، وعندما يُضغط سيحاول الهرب إلى منطقة أقل ضغطًا.
الجسم المتحرك، بسبب كتلته، يريد أن يبقى متحركًا.
تريد الكرة أن تتدحرج إلى أسفل التل.
لا تستطيع مادةٌ أن تشتعل في غياب الأكسجين؛ لأن الأكسجين يساعدها على الاشتعال.
قد يظن أستاذ العلوم الطبيعية أنه يساعد تلاميذه على فهم الظواهر الطبيعية باستخدام استعارات أنثروبومورفية من هذا القبيل، غير أنه في أغلب الأحيان لا يعدو أن يشوش فهمهم للسبب الذي يجعل العالم الطبيعي يسلك بالطريقة التي يسلك بها، ويرتد بهم إلى صوفية القرون الوسطى، ويحول بين أفهامهم وبين الاستبصارات الحديثة إزاء سلوك الطبيعة.
لست مضطرًّا حين تشرح سلوك العالم الطبيعي إلى أن تفسر «لماذا» يسلك هذا المسلك، وبحسبك أن «تصفه»، فإذا كان عليك أن تقدم تفسيرًا فليكن تفسيرًا علميًّا صحيحًا لا مصادرةً أنثروبومورفية لا دليل عليها مفادها أن «الطبيعة تحاكِي سلوكَ الإنسان».
لقد أورَثَنا أسلافُنا إرثًا ذهنيًّا مغلوطًا حين تصوروا العالمَ الطبيعي على شاكلة بيئتهم البشرية، ذلك التصور الذي أعانهم على البقاء واجتَبَته ضغوطهم الانتخابية الخاصة بزمنهم، إن حقيقة أن معظم عمليات الكون وظواهره تنجم عن قوى لا