للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في كتابه «علم البيولوجيا» يقول و. ت. كيتون: «إن كل ألفاظنا تقريبًا تشتمل على نوعٍ من الدلالة البشرية، ومن تضمين الدافعية البشرية والغرض البشري، غير أن هذه الدافعية والغرض قد لا تكون لها صلة بسلوك الحيوانات الأخرى، وعلينا دائمًا الاحتراز من إضفاء خصائص بشرية لا مسوِّغ لها على الأجناس الأخرى، فالتفكير الأنثروبومورفي والغائي لا مكان له في الدراسة العلمية لسلوك الحيوان … واللغة الإنجليزية، شأنها شأن جميع اللغات الإنسانية، إذ تَنَشَّأت حول الأنشطة البشرية والتفسيرات البشرية، لم يكن لها بُدٌّ من أن تعكس هذه الأنشطة والتفسيرات … ومِن ثَمَّ ينبغي أن يتفطَّن المرء إلى المزالِق التي ينطوي عليها أي تطبيق للغة ذات التوجه البشري على أنشطة الحيوانات الأخرى.» (١)

وقد جرى العرفُ في المجتمع العلمي على الانتقاص من اللغة الأنثروبومورفية التي تُومِئ إلى أن الحيوانات لديها مقاصد وعواطف، واعتبارها دليلًا على افتقاد الموضوعية، وقد دأب علماء البيولوجيا على تجنب الفرضية القائلة بأن الحيوانات تشارك البشر نفس القدرات العقلية والاجتماعية والانفعالية، مُعَوِّلين بدلًا من ذلك على الأدلة القابلة للملاحظة بشكلٍ صارم، فالحيوانات كما يقول بافلوف «ينبغي أن تُدرَس دون حاجة إلى اللجوء إلى تأملات خيالية عن احتمال وجود أيِّ حالات ذاتية.» والمنهج العلمي يتضمن ملاحظات وتعريفات وقياسات لموضوع البحث، أما «المُواجَدة» empathy فلا تُعد أداةً نافعة عند جمهور العلماء.

غير أن دراسة القردة العليا في بيئتها الخاصة قد غيرت المواقف تجاه الأنثروبومورفية، فقد غدا من المقبول على نطاق واسع أن المواجدة قد تلعب دورًا مهمًّا في البحث، يقول فرانس دي وال «لقد طالما اعتُبر خطيئةً علمية أن نسبغ عواطف إنسانية على الحيوانات، غير أننا إذ نفعل ذلك نغامر بفقدان شيء أساسي عن الحيوانات وعن البشر معًا.» (٢) وقد واكب ذلك بزوغُ وعي متزايد بالقدرات اللغوية للقردة العليا، وتُبين أنها صانعة للأدوات وأن لديها فرديةً وحضارة.


(١) دراسة سلوك الحيوانات في بيئتها الطبيعية.
(٢) Keeton W.T.: Biological Science.New York: W.W.Norton. ١٩٦٧، p. ٤٥٢.

<<  <   >  >>