للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم تَرِد مغالطة رجل القش في تراث أرسطو على نحوٍ صريح، غير أنه أوصى بالأمانة والإخلاص fidelity في تمثيل آراء الآخرين على حقيقتها، واعتبرها شرطًا للجدل الحقيقي، وحذَّر من الاكتفاء بإسباغ مظهر الآراء الأخرى دون جوهرها، واعتبر ذلك ضربًا من السفسطة، تدل هذه الوصايا الأرسطية على أنه أدرك مغالطة رجل القش وميَّزها، وإن لم يُدْرِجها في قائمة المغالطات ويسبغ عليها اسمًا.

[(١) التحريف بالتجزيء]

قد تتناول جزءًا صغيرًا من موقف الخصم، فتأخذه بأكثر من حجمه، وتفْرِط في تعميمه فتعامله كما لو كان ممثلًا لموقفه الكلي، بينما هو لا يمثل شيئًا ذا قيمة، وإنه لتبديدٌ للطاقة وإجهاضٌ للجدل، فضلًا عن كونه إجحافًا ومغالطة، أن تتناول بالتفنيد جانبًا هامشيًّا من جوانب المذهب أو صيغة ضعيفة مفرطة التبسيط لموقف الخصم، إن الأيديولوجيات التي كسبت أنصارًا ودامت حقبًا هي، على الأرجح، أنساقٌ تتمتع بمزايا معينة عليك أن تقف عليها وتكتنهها؛ حتى يتسنى لك أن تفندها في جوانبها القوية، فالمسألة الجديرة حقًّا بالتناول إنما ينبغي التماسُها في هذه الجوانب القوية وعلى هذا المستوى الرفيع.

[(٢) التصنيف والتنميط]

يميل العقلُ البشري بطبيعته إلى تصنيف الأشياء وتنميطها (حتى ليغدو ذلك شرطًا من شروط الإدراك)؛ لأن العقل لا مَحِيد له عن أن يفرض نظامًا على الفوضى ويضفي معنى على الشواش، ربما لذلك يميل المرء أحيانًا إلى أن يصنف الخصم تصنيفًا خاطئًا ويتوسَّم فيه غيرَ ما هو، ويُسقط عليه من تصنيفاته الفئوية الخاصة ما لا يناسبه، وكان المرء هنا يكشف عن ذات نفسه أكثر مما يكشف عن الآخر، ويَسرِي عليه قول سبينوزا: «إنَّ ما يقوله بولس عن بطرس يخبرنا عن بولس أكثر مما يخبرنا عن بطرس.»

وقد يميل المرء إلى «التنميط» stereotyping فيدمغ الخصم بصفاتٍ معينة تميز الجماعة أو الطائفة التي ينتمي إليها، بينما الخصم يرى رأيًا يحيد كثيرًا عن تلك الطائفة

<<  <   >  >>