للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البشري يكون بوسع المرء أن يجد خبيرًا يدعم له أي رأي يراه أو موقف يريده، يذَكِّرنا ذلك بالقول المأثور: «افعل أي شيء تقررُه وستجد نصًّا يُبررُه!»

ذلك أن الخبراء هم في النهاية بشر، يُصيبون ويخطئون، حتى في مجال تخصصهم، ولعل هذا هو ما يُبرر أخذ «رأي ثانٍ» (وربما ثالث) في الحالات الطبية حين يكون تشخيصها غامضًا غير محسوم، يَفهَم أغلبُ الناس المغزَى في أخذ رأي ثانٍ حين يتعلق الأمر بحياتهم وصحتهم، غير أنهم كثيرًا ما يتشبثون برأيٍ واحد لا يمثل آراء الخبراء جميعًا حين يكون هذا الرأي موافقًا لهواهم ومدعِّمًا لتحيزاتهم.

(٤) إذا كان الخبير متحيزًا أو تكتنفه شبهة التحيز

قلنا إن الخبراء بشر، والبشر غير معصومين من التحيز والهوى كيفما كانوا، وليس ثمة شخص يمكنه أن يدَّعي الموضوعية المطلقة، ومهما يبلغ أحدنا من النزاهة والحياد يبقَ لديه شيء من الهوى والميل تجاه آرائه الخاصة، وربما كان علينا أن نقبل درجةً ما من التحيز لدى كل شخص ما دامت ضئيلة الأثر، أما في الحالات التي يكون الخبير فيها في موقع يميل به ميلًا شديدًا في اتجاه رأي بعينه فإن لنا كل الحق في أن ننصرف عن الاحتكام إلى رأيه بوصفه «مجروحًا» على أعلى تقدير، من ذلك على سبيل المثال نتائج أبحاث خبراء طبيين عن أضرار التدخين على غير المدخنين حين تمولها شركات التدخين الكبرى ذاتها!

قد يأخذ التحيز والميل ألوانًا أخرى عديدة، من ذلك أن الخبير قد يتأثر بموضعه الشخصي ومآزقه الخاصة، فالمحامي الذي يدافع عن نفسه، والطبيب الذي يحاول تشخيص مرضه الخاص (أو مرض أحد أبنائه)، هو عُرضة للميل والحيود، وقمين بالخطأ الناجم عن التفكير الآمل Wishful thinking أو الخوف.

[(٥) إذا كان مجال خبرة ذلك الخبير هو علم زائف أو مبحث معرفي غير مشروع]

الخبرة بالوهم ليست خبرة على الإطلاق، ولا قيمة من ثم لأي خبرة مهما كبرت، ومهما ازدانت بالشهادات والرُّخص، إذا كان مجالها نفسه علمًا زائفًا أو مبحثًا معرفيًّا كاذبًا، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر: التنجيم astrology والفأل، الفراسة وتحديد الشخصية من شكل الجمجمة phrenology، العلاج بطرد الأرواح الشريرة.

<<  <   >  >>