للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاعتبارات الديالكتيكية والحوارية في تقييم الحُجج، وما زال في كلِّ ذلك يلتمسُ العونَ من أفرعٍ بحثيةٍ قريبةٍ ويتداخل معها: علم البلاغة (الخطابة)، علم اللغة، الذكاء الصناعي، علم النفس المعرفي، التواصل الكلامي … إلخ.

كان اهتمامُ المنطق غير الصوري في بداياته مُنْصَبًّا على «المغالطات المنطقية» logical fallacies، غير أنه تجاوزَ مبحثَ المغالطات وجعل يوسِّع من حقله كلما تَبَيَّن له أن دراسة الحجج المصوغة باللغة العادية تتطلب ارتيادَ أصقاعٍ جديدة من البحث، تتضمن هذه الدراسةُ المكونات التالية:

التمييز بين الأصناف المختلفة من الحوار التي يمكن للحجة أن تَرِد فيه (النقاش العلمي مثلًا غير التفاوض أو عقد الصفقات).

تحديد المعايير العامة للحجة الصائبة (الاستنباطية والاستقرائية … )

دراسة مفهوم اللزوم - أو الترتُّب - المنطقي، الذي يُفسِّر لنا متى يصح أن نقول إن هذه الجملة تترتب منطقيًّا عن تلك.

دراسة المغالطات المنطقية وأهميتها في تقييم الحجج.

دراسة المواضع التي يصِحُّ فيها ما نأخذُه عادةً مأخذ المغالطة (الاحتكام الصائب إلى السلطة، الهجوم المبرَّر على شخص الخصم، التفكير الدائري الصحيح … إلخ).

تَفَهُّم الدور الذي تضطلع به المشاعر (الباثوس) والشخصية (الإيثوس) وغيرهما من المفاهيم البلاغية في تحليل الحجة وتقييمها.

تبيان الواجبات الجدلية المنوطة بالحجج في أنواعٍ معينةٍ من السياقات.

[(٢) أهمية الإلمام بالمنطق غير الصوري]

يقول أفلاطون في محاورة جورجياس: «في جدالٍ حول الغذاء يدور أمام جمهورٍ من الأطفال فإنَّ الحلواني كفيلٌ بأن يهزم الطبيب، وفي جدالٍ أمام جمهورٍ من الكبار فإن سياسيًّا تَسَلَّح بالقدرة الخطابية وحِيَلِ الإقناع كفيلٌ بأن يَهزمَ أيَّ مهندسٍ أو عسكري، حتى لو كان موضوعُ الجدال هو من تخصص هذين الأخيرين، وليكن تشييد الحصون أو الثغور! إن دغدغة عواطف الجمهور ورغباته لَأشَدُّ إقناعًا من أي احتكامٍ إلى العقل.»

حقًّا … ليس بالحق وحدَه تَكسِبُ جدالًا أو تقهر خصمًا أو تُقنِع الناس، من هنا يتبين لنا أهميةُ دراسة الحجة كما تَرِدُ في الحياة الحقيقية وتتجسد في اللغة العادية.

<<  <   >  >>