في كتابه «اللغة» يعرض ليونارد بلومفيلد لمنهج التأثيل، ويكشف لنا بؤس الإتيمولوجيا، ويبين أن منهج الحفر التاريخي في اللغة لا يُفضي إلى شيء، يقول بلومفيلد: خذ مثلًا كلمة blackbird (الشحرور) وتتكون من black و bird، وتطلق على نوع من الطير، وهذا النوع من الطير إنما سمي بهذا الاسم بسبب لونه الأسود، وهذه حقًّا تسمية صادقة تصدق على هذه الطيور: فهي طيور، وهي سوداء … وجريًا على هذا المنطق، أكان من الممكن أن يستنتج علماء اليونان أن ثمة صلة باطنة عميقة بين ال gooseberry (عنب الثعلب) وال goose (الإوز)! … إن التحليل في جميع اللغات لا يسمح بذلك ولا يجود به، ولنا في اليونانية والإنجليزية أمثلة كثيرة من الكلمات التي تستعصي على هذا النوع من التحليل الذي يتصوره التأثيليون: كلمة early أي مبكرًا، تنتهي بمثل ما تنتهي به كلمة manly بمعنى رجولي، فاللاحقة ly مضافة إلى man (رجل)، ولكن إذا جردنا الكلمة الأولى من اللاحقة ly فماذا يتبقى؟ يتبقى ear (أُذن)، فهل تعطي فائدة؟ إنها بقية غامضة لا تفيد … وكذلك كلمة مثل woman (امرأة): إنها تلتقي مع كلمة مثل man (رجل)، ولكن ما دور المقطع wo في هذا؟ إن هذا المقطع هو الذي يفصل بين دلالة هذه الكلمة ودلالة الكلمة الأخرى من الناحية الشكلية الصوتية، ولكن ما قيمة هذا المقطع الأول wo في التحليل الاشتقاقي، إنه لا دور له، ولا دلالة له كذلك … وعلى هذا النحو تواجهنا صعوبات في تحليل الكلمات القصيرة أو البسيطة، التي هي أقل من السابقة، فكلمات مثل man، boy، good، bad، eat، run … وغيرها كثير، لا يعين فيها التحليل الإتيمولوجي (التأثيلي/ الاشتقاقي) على كشف صلة بين الكلمة وما تُشير إليه … ولكن علماء اليونان، ومثلهم تلامذتهم من علماء الرومان كانوا في مثل هذه الحالات يلجئون إلى الحدس والتخمين … إن صيغ الكلام تتغير وإنها قابلة للتغير لأنها ثابتة على حين أن المسميات لا تتغير، وكذلك المعاني ثابتة لا تتغير … أي أنه لا توجد علاقة طبيعية ضرورية، أو منطقية عقلية، بين الاسم والمسمى أو بين الدال والمدلول … وصفوة القول عند بلومفيلد أن التحليل التأثيلي لا يؤدي إلى شيء، وأنه لا طائل من ورائه … وإنما هو دليل على أنه لا توجد علاقة ولا رابطة عقلية ضرورية بين الاسم والمُسمَّى. (١)
(١) د. البدراوي زهران: مبحث في قضية الرمزية الصوتية، دار المعارف، القاهرة، ط ٤، ١٩٩٩، ص ٤٣ - ٤٦.