وبعد، فمن البَيِّن أن عمر الفكرة «غير ذي صلة» irrelevant (١) بِنصيبِها من الصواب أو الخطأ إلا بقدر ما يعكس ثباتها لاختباراتٍ متعاقبةٍ وقاسية، أما القِدَم بحد ذاته فليس ضامنًا لصواب فكرة، وكم من فكرةٍ اعتنقتها الأجيال أحقابًا طويلةً ثم تَبَيَّن خطؤها الذريع، وكم من نظامٍ تَفَشَّى في الأمم دهورًا ثم هجرته لما تَبَيَّن لها ضرره وفساده.
[أمثلة]
نظام الرق.
وأد الإناث.
ختان الإناث.
الاعتقاد بأن السحرة والأرواح الشريرة سببٌ لكثيرٍ من الأمراض الجسمية والنفسية.
الاعتقاد بثبات الأرض، ومركزية الأرض، وانبساط الأرض، وضخامة الأرض بالنسبة لحجم الكون.
الاعتقاد بأن القلب هو عضو الشعور والتفكير.
(١) فرنسيس بيكون: تحليل مفهوم «القِدَم»
للفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون (١٥٦١ - ١٦٢٦) وقفة عِزٍّ مع هذه المغالطة، ففي كتابه «الأورجانون الجديد» novum organum يحذِّرنا بيكون مما أسماه «أوهام المسرح» idola theatri المتمثلة، أحيانًا، فيما تكتسبه المذاهب والنظريات القديمة من نفوذ بحُكمِ قِدَمها لا بحكم صدقها، ويعتبر هذا الوهم وغيره عيوبًا في تركيب العقل يحب أن نعالجه منها لكي يعود لوحًا مصقولًا تنطبع عليه أشياء الوجود كما هي في الواقع ودون تدخل وتشويش من ذواتنا، ويُسفِّه القديم إلى حد أن اعتبر القِدَمَ قرينةً تنتقص من نصيب الفكرة من الحق، بعكس ما يراه العقل الصنمي المريض بالأوهام الأربعة.
(١) يُسمى هذا الصنف من المغالطات «مغالطات الصلة» fallacies of relevance، ويشمل كثيرًا من المغالطات المذكورة، مثل: الاحتكام إلى سلطة، إلى النتائج، إلى العامة، إلى الشفقة، إلى القوة … إلخ.