يوغل العقل، البدائي بخاصة، إلى حد أنسنة أرواح الأشياء والظواهر الطبيعية، الرياح والأنهار والرعد … إلخ، والأحداث كالحرب والموت … إلخ، والمفاهيم المجردة كالحب والكره والجمال والخصام … إلخ!
[(١) في الميثولوجيا والثيولوجيا]
كانت الآلهة في الميثولوجيا الإغريقية أنثروبومورفية قلبًا وقالبًا، سواء في هيئتها أو في علاقاتها العائلية والاجتماعية، ففي قصائد هوميروس نجد الآلهة تسكر وتتزوج وتختصم وتتزين، شأنها شأن البشر تمامًا، ولكي يميز الإغريق بين الآلهة والبشر فقد أضفوا على الآلهة وحدهم صفتي الخلود والشباب الدائم، كان للآلهة طعامٌ خاص يتكون من النكتار nectar والأمبروزه ambrosia (التي تعني حرفيًّا «غير فان») يصير إلى سائلٍ مختلف عن الدم البشري يجري في أجسادهم اسمه أيكور ichor.
وكان بالإمكان في الميثولوجيا الإغريقية أن يتهاجن الآلهة والبشر، وانفرد الآلهة بالقدرة على اتخاذ هيئة غير هيئتهم البشرية بواسطة «التحول»(الميتامورفوسيس) metamorphosis، وظل الخلود والشباب الدائم حكرًا على الآلهة، ومن طرائف الأساطير الإغريقية أن إيوس إلهة الفجر أحبت الفاني تيثونوس ووعدته أن تلبي له أي شيء يطلبه، فطلب الخلود، ونسي أن يذكر معه الشباب الدائم، ومن ثم فقد أخذ يشيخ ويشيخ حتى لم يبق من ذاته الجسدية إلا صوته!
كان الفيلسوف اليوناني زينوفان Xenophanes (ولد على الأرجح عام ٥٦٥ ق. م) أول من استخدم مصطلح الأنثروبومورفية، ليصف كيف كان الناس يتصورون آلهتهم شبيهة بهم في شكلهم ودوافعهم، فكانت الآلهة عند اليونان شقراء الشعر زرقاء الأعين، بينما كانت آلهة الأثيوبيين سمراء الجلد سوداء الأعين، وبعبارة أخرى فقد كانت الأوصاف الأنثروبومورفية تكشف عن واصفيها من البشر أكثر مما تكشف عن المقدس. صوَّب زينوفان سهام نقده إلى الأنثروبومورفية قائلًا:«إن الإله الأعظم لا يُشبه الإنسان لا في صورته ولا في عقله.» وشن هجومًا عنيفًا على الآلهة التقليدية، وكان هدفه الرئيسي استئصال مجموعة آلهة الأوليمب التي اتخذ كلٌّ منها صورة الإنسان. (١)
(١) برتراند رِسل: حكمة الغرب، ترجمة د. فؤاد زكريا، الجزء الأول، عالم المعرفة، العدد ٦٢، فبراير ١٩٨٣، ص ٤٥.