للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبدو أن فكرة «المنهج» بألف لام التعريف لا تستقيم وفكرة «المجهول» الذي نريد ارتيادَه وكشفَه، المجهول «مجهول» بطبيعته وتعريفه فكيف نريد اصطياده بمنهجٍ «معلوم» يُحدد لنا سلفًا ما سوف نصطاد؟! إنما يبزغ «المنهج» على رِسلِهِ «بعديًّا» a posteriori من البحث وفي البحث، ربما لذلك لم تَعُد هناك إبستمولوجيا عامة تصلح لكل شيء، وانتقلنا الآن إلى «إبستمولوجيات جهوية» modal epistemology على حدِّ تعبير جاستون باشلار، يقول باشلار في «فلسفة لا»: «في اعتقادنا أن مهامَّ فلسفة العلوم تُطرَح في مستوى كل مفهوم على حدة: فكل افتراض وكل نقطة، كل تجربة وكل معادلة تتطلب فلسفتها الخاصة.»

ويبدو أننا بحاجة، فضلًا عن مناهج البحث التقليدية، إلى منطقٍ آخر للحدس الذكي، لتلك اللحظة الفنية من لحظات الكشف العلمي، لتلك القفزة الإبداعية التي تتجاوز دائمًا المعلومات المتاحة وتضيف إليها شيئًا غيبيًّا لم يكن مبذولًا للإدراك العادي، نحن بحاجة إلى معايير أخرى لما هو افتراضي، مبدئي، تأملي، معايير إستطيقية معينة تُقدِّر جمالَ الظني والحدسي.

[(٢) المناعة الأيديولوجية، أو «مشكلة بلانك»]

من دأبنا جميعًا، في حياتنا اليومية كما في صعيد العلم، أن نقاوم أن أي تغيير في النموذج المعرفي الأساسي (النموذج الشارح paradigm)، يطلق عالم الاجتماع ستيوارت سنيلسون على هذه الظاهرة «جهاز المناعة الأيديولوجي» ideological immune system، يذهب سنيلسون إلى أنه كلما تراكمت المعرفة لدى الأفراد وترسَّخت نظرياتهم فإن ثقتهم بهذه النظريات يتعاظم ويكتسبون «مناعة» ضد أي نظريات جديدة لا تعزز النظريات السابقة، ويطلق مؤرخو العلم على هذه الظاهرة «مشكلة بلانك» Plank problem، نسبةً إلى عالم الفيزياء الشهير ماكس بلانك الذي أبدى هذه الملاحظة فيما يتعلق بالعلم: فقلَّما اتفق لتجديد علمي هام أن يشق طريقًا هينًا سلسًا ويحمل مناوئيه على التخلي عن نموذجهم والتحوُّل إليه طواعية واقتناعًا، فمن النادر أن يتحول «شاول» إلى «باول»،

<<  <   >  >>