للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كل حال، وقسوتُك، بعد كل شيء، مبطنةٌ بالرحمة: الرحمة بالطبقات الكادحة وهي الغالبية العظمى دائمًا وأبدًا!

غير أن هذه «المرحلة التاريخية» (التي تُصوَّر دائمًا على أنها عابرةٌ مؤقتة) تظل «مقيمة» لا تبرح! فلما كانت الأهداف المثالية البعيدة المنال يتأخر مجيئها طويلًا، وفترة خنق النقد والمعارضة تطول أكثر فأكثر، فإن الاضطهاد والاستبداد سيزدادان حِدةً (وإن خلصت النوايا)، وبالضبط لأن المقاصد والأهداف تُرَى مثالية فإن الفشل المستمر في تحقيقها جديرٌ بأن يؤدي إلى القذف بالتهم وادعاء أن «شخصًا ما يهز القارب!» - لا بُدَّ أن هناك تخريبًا، أو تدخلًا أجنبيًّا، أو قيادةً فاسدةً (إذ إن جميع التفسيرات الممكنة التي تستثني الثورة نفسها تتضمن بالضرورة خبثًا وشرًّا من جانب شخصٍ ما)، حينئذٍ تبرز ضرورة كشف المذنبين واستئصال شأفتهم، ومن طلب مذنبين وجد مذنبين! وهنا يكون النظام الثوري قد غرق إلى الأذقان في دمٍ غليظ. (١)

ولعل الترياق الشافي من هذا الأنالوجي الدموي هو أنالوجي مثله! هو تشبيه «قارب نويرات» (نسبة إلى أوتو نويرات Otto Neurath من حلقة فينا):

إن البشر أشبَهُ ببحارة سفينةٍ في عرض البحر: يمكنهم أن يُصلِحوا أي جزء من السفينة التي يعيشون فيها، ويمكنهم أن يصلحوا السفينة كلها جزءًا جزءًا، ولكن لا يمكنهم أن يصلحوها كلها دفعةً واحدة.

[(٤ - ١) أمثلة أخرى للتفكير التشبيهي]

من العبث أن نبذل كل هذا الجهد في محو أمية الكبار، ذلك أنه لا فائدة، بعد كل شيء من البكاء على اللبن المسكوب.

التعليم المدرسي كالعمل التجاري يحتاج إلى استراتيجية تنافسية تؤدي إلى تزايد الربح.

يجب أن نسمح للطلاب باصطحاب كتبهم في الامتحانات، ألا يستخدم المحامون المذكرات القضائية في مرافعاتهم، ويستشير الأطباءُ الأشعةَ في جراحاتهم؟


(١) Popper K.R.، "The Open Society and Its Enemies"، Vol. ٢، fifth edition، Princeton University Press، ١٩٦٦، pp. ١٥٨ - ١٦٨.

<<  <   >  >>