للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى «الجهل» بل إلى «المعرفة» (معرفتنا بأنه لو كان للنتيجة التي تهمنا أن تنجم لَنَجَمت في حالةٍ ما من حالات الاختبار، وهو ما لم يحدث)، (١) كذلك في موقف اتهام شخص أو دولة بإحراز شيء محظور فإن إرسال مفتشين مؤهلين للبحث عن ذلك الشيء، والذي نفترض أنه قابلٌ للكشف ومستحيلٌ إخفاؤه عادةً، وحقيقة أنهم فشلوا في العثور عليه بعد فترة كافية، ليُمثِّل دليلًا معقولًا على عدم وجود ذلك الشيء.

(٣) في مجال التاريخ يُسمَّى هذا الصنف من الحُجة ex silentio (بحكم الصمت)، مثال ذلك أن نقول إنه لم يكن من عادة الرومان أن يقلِّدوا الأوسمة شخصًا بعد وفاته، وذلك بناءً على «الدليل السلبي» بخصوص هذه الأوسمة، فالكتابات المدونة وشواهد القبور لم تسجل قَط تقليد أية أوسمةٍ لجنودٍ ماتوا في الحرب، بينما تسجل حالات كثيرة لجنود تقلدوا الأوسمة أحياءً بعد الحرب، هكذا يمكننا أن نحاجَّ على أساسٍ سلبي بأنه لو كان مثل ذلك التقليد موجودًا لَتَبدَّى لنا بشكلٍ أو بآخر في الشواهد القائمة، وحيث إنه لا يوجد أي شاهد على ذلك فإن بإمكاننا، بواسطة حجة الصمت ex silentio، أن نستنتج أن من المقبول بعامة أن الرومان لم يقلدوا أحدًا وسامًا بعد وفاته. (٢)

(٤) وفي مجال البحث العلمي يُطلق اسم «الدليل السلبي» negative evidence على ذلك الصنف من البينة حيث تُلتمس نتيجةٌ معينة بالاختبار فلا تحدث، تُعَد البينة السلبية في العلم غير عديمة القيمة، إلا أن الأبحاث التي تسجل نتائج إيجابية تحظى بقبولٍ أكبر مما تحظى به الأبحاث التي تسجل نتائج سلبية، ويميل العلماء بصفة عامة إلى نشر أبحاثهم الإيجابية، ولعل هذا ضربٌ من ضروب الانحياز القائمة في مرفق البحث العلمي، والذي يجعله أميل إلى التركيز على تحصيل نتائج إيجابية، ذلك أن النتائج السلبية هي أيضًا نتائج، ولها فوائد ليس أقلَّها أنها تعصم المؤسسة العلمية من تبديد الجهد والمال في أبحاث لا طائل منها.

(٥) وفي مجال الحاسوب ومجال العلوم الاجتماعية تُعرف الحُجة المستقاة من الجهل باسم «الاستدلال القائم على افتقاد المعرفة» lack of knowledge inference، والذي يتم عندما تُلتمس معلومةٌ معينة في قاعدة البيانات فلا يُعثر عليها، ومن ثم يُعقد الاستدلال السلبي بأن هذه القضية كاذبة بالاستناد إلى القرائن، من ذلك أن برنامجًا


(١) Ibid.p. ٣٦٩.
(٢) Ibid.pp. ٣٧١ - ٣٧٢.

<<  <   >  >>