للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(المتغايرات) variants في العلم ليست «سمات» traits بل «أفكارًا» مخالفة، والضغط الانتخابي في العالم الفكري يعود إلى «شدة النقد»، إن «التفكير النقدي» لَيقدم لنا بديلًا عن «الانتخاب الطبيعي». (١)

من الواضح أن تولمن متأثر في دراساته بأفكار كارل بوبر عن تطور المعرفة البشرية والنظريات العلمية، يذهب بوبر إلى أننا نحقق تقدمًا في معرفتنا، ونقارب الحقيقة، بواسطة عملية محاولة وخطأ، ويُقدم نظرية تطورية لنمو المعرفة، مفادها أننا نبدأ من مشكلة معينة (م ١)، نقوم إزاءها باقتراح «حل اختباري» tentative solution أو «نظرية اختبارية»، ثم نحاول عندئذٍ استبعاد النظريات الكاذبة بتعريضها لاختبارٍ قاسٍ ونقدٍ شديد، عندئذٍ يبرز موقفٌ جديد أو مشكلة جديدة (م ٢) نتناولها على نفس النحو، وهكذا تنمو المعرفة باطراد، في حلقات متتالية تبدأ من مشكلة وتنتهي بمشكلة، لكنها ليست دائرية، فهي لا تنتهي من حيث بدأت، بل تنتهي بموقف جديد ومشاكل جديدة، هذه الجِدة هي التي تكفل التقدم المستمر للمعرفة. (٢)

صفوة القول إن «الوراثة الثقافية» cultural inheritance قد تُعد تكيفية، وأن الثقافات قد تتطور لأنها تقدم للجنس البشري «مزايا انتخابية»، ففي البيئة الثابتة يمكن أن تتطور تقاليد ثقافية تكيفية، من أمثلة ذلك استمرار عادة أكل الباقلاء fava beans ألوفًا من السنين بين شعوبٍ متوسطية عديدة، برغم خطره على بعض من لديهم استعداد جيني معين، فقد تَبَيَّن أن الجين الذي يؤدي إلى حساسية للباقلاء يُضفي أيضًا مقاومةً للملاريا، ومِن ثَمَّ فقد كان هذا الجين يُنتخَب طبيعيًّا في المناطق الموبوءة بالملاريا، وهكذا كان لأكَلة الباقلاء في هذه المناطق مزايا بقاء جعلتهم أكثر عددًا بفضل مقاومتهم للملاريا، وهكذا فإن سمةً ثقافيةً انتقلت من جيلٍ إلى جيل قد انتُخِبت طبيعيًّا، وسادت المجتمع بعد أجيال عديدة. (٣)


(١) Toulmin، Stephen E. "Human adaptation".Jensen and Harre، pp. ١٧٦ - ١٩٥.
(٢) Popper، K.R.، Objective Knowledge.The Clarendon Press، Oxford، ١٩٧٢، p. ١١٩.
(٣) Katz، S.H.and J.Schall. "Fava Bean Consumption and Biocultural Evolution".Medical Anthropology ٣ (١٩٧٩): ٤٥٩ - ٤٧٦.

<<  <   >  >>