للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك أيضًا أن فلاحي الريف الأوروبي الإقطاعي درجوا على أكل البطاطس والجبن والبيض، دون أن يعانوا من زيادة دهون الدم ومن تصلب الشرايين، وغير ذلك من الأمراض المتوقعة من مثل هذا الطعام الدهني أو العالي السعرات، توارثَ الناس أكل هذا الطعام وأصبح عادةً راسخة، ولم يفطنوا إلى السبب من وراء ذلك: فقد كانت الكثافة السكانية آنذاك عالية ومصادر الطعام شحيحة، ومِن ثَمَّ كان هذا الطعام هو الأنسب لمن يعيش على الكَفاف.

ومن ذلك عادة أكل الطَّفل (الطين) في جبال بيرو! لقد ترسخت لدى السكان هذه العادة الغريبة دون أن يسألوا عن السبب من وراء ذلك، كان هؤلاء السكان يأكلون صنفًا معينًا من البطاطس مغذيًا ولكنه سام، وقد تبين أن أكل الطَّفل مع هذا الطعام هو بمثابة ترياقٍ له إذ يمتص المواد الكيميائية السامة. (١)

غير أن اختبار الزمن في الممارسات الاجتماعية قد تم في بيئة محددة وظروفٍ بعينها، وينبغي أن نكون على استعداد لإعادة تقييمها إذا ما تغيرت الظروف:

فإذا ما تبنَّت البلاد الموبوءة بالملاريا مشاريع صرفٍ ونجحت برامج مكافحة البعوض في القضاء على الملاريا، هنالك قد يغدو أكلُ الباقلاء عادةً بالية.

وإذا قُدِّر لشخصٍ أوروبي حديث (حيث وفرة الطعام وقلة المجهود) أن يعيش حياتَه على البطاطس والجبن والبيض فبشِّره بطول بقاءٍ في العناية المركز لأمراض الشريان التاجي. (٢)

وإذا ما تقدمت المجتمعات اقتصاديًّا وتكنولوجيًّا لم يعد ثمة معنى لبقاء المرأة في البيت، وقد صار بوسعها تَقَلُّد وظيفةٍ مريحةٍ ومضاعفة دخل الأسرة.

زِد أن الممارسات المنتخَبة إنما هي محض «تكيفٍ» مع الموقف وليست «مبررًا» له بحال.


(١) Johns، Timothy.With Bitter Herbs Eat It: Chemical Ecology and the Origins of Human Diet and Medicine.Tucson: University of Arizona Press، ١٩٩٠، p. ٦٧.
(٢) William D.Harpine.The Appeal to Tradition.، p. ٢١٤.

<<  <   >  >>