ذاتها - يُعَد سقوطًا مزريًا في المغالطة المنشئية، فإذا أمكن لعلم النفس أن يكشف شيئًا من الآليات السيكولوجية التي كانت تعتمل بنفس المفكر وهو يبدع مذهبه، فإنه يقف أعزلَ أمام البناء الاستنباطي للمذهب والنسيج المنطقي للأفكار، فإذا ما نزغ له مبحثه السيكولوجي أن يُعْمِل أدواته ومقولاته في تلك الأقاليم المنطقية فإنه يَهزِل ويهتر، ويُغرِب ويغترب، ويقع في «خطأ مقولي» category mistake (١) فاضح فيصف الشيء بما لا يوصف به!
هذا ما يمكن أن يحدث في أمثل الأحوال ومع أعتى علماء النفس وأفقههم، أما ما يحدث في الواقع الفعلي ويُغْثِينَا كلَّ يوم في الجرائد والكتب والدوريات ووسائل الإعلام فهو ضرب من «السيكولوجيا الشعبية» pop psychology الركيكة التي ترتجل الديناميات النفسية ارتجالًا وتكتفي لتفنيد الفكرة بإلصاق دوافع سلبية لا دليل عليها، بَلْه أن تكون دليلًا على خطأ الفكرة.
فهذا معارضٌ للحكومة لأنه عانى في طفولته من علاقات متعسرة مع والديه أدَّت به إلى صعوبة في تَقَبُّل السلطة، وفي تقبل كل «صورة والديه» parental figure!
وهذا نشأ في أسرة مفككة، أو أسرة مُعدَمة، أو أسرة ثرية بورجوازية، وهذا تَعَرَّض للإيذاء في طفولته الباكرة، وهذا أفرط أبواه في تدليله (أو تكديره)، وهذا كان أبوه قاسيًا (أو لَيِّنًا) … إلخ.
ومهما تكن أوضاع الخصم فلن تعدم أن تقيِّض له دوافع سيكولوجية تُوظف لتقويض فكرته!
(١) «المقولة» category في الميتافيزيقا تعني: فئة، جنس، عائلة، نوع … إلخ، وهو مصطلح يستخدم ليدل على شريحة أساسية في تصنيف الواقع، أو تصنيف صور الفكر، وأن ترتكب «خطأً مقوليًّا» category mistake هو أن تقرن أشياء من تصنيفات مختلفة لا يجوز عقلًا أن تجتمع، مثال ذلك أن تقول: أعدادٌ حمراء، فضائل بدينة، قضايا غير قابلة للأكل (وليم إيرل: مدخل إلى الفلسفة).