للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخلاقية ضد الكذب: إن إطاعة هذه القاعدة ليست بحاجة إلى تبرير خاص، غير أن هناك ظروفًا قد يجوز فيها أن يكذب المرء، عندئذٍ تكون البينة عليه، أي أن عليه أن يُبرر كذبَه بالحُجة. (١)

وفي مجال القضايا الجنائية يقع عبء الدليل على الادعاء، وعلى الدفاع أن يُبين الثغرات أو نقاط الضعف في حجة الادعاء، وليس عليه أن يثبت براءة المتهم ابتداءً (لأن الأصل براءة الذمة)، ذلك مثال للمبدأ القائل: «البينة على من ادَّعى» He who asserts must prove، والحكمة في ذلك الانحياز المبدئي (إلى جانب المتهم) هي أن الدليل في القضايا الجنائية قد يكون ظنيًّا لأنه يقوم على إعادة بناء أحداث الماضي، وهو أمرٌ يعتمد بالضرورة على الحدس والتخمين، ومِن ثَمَّ فاحتمال الخطأ قائم؛ لذا يقوم المشرِّع بتقنين الجدل القانوني بطريقة من شأنها أن تُقَلِّص حالات إدانة أشخاص أبرياء إلى أدنى حدٍّ ممكن، حتى لو كان ذلك يكلفنا إفلات أشخاص مذنبين من العقاب في أحيان كثيرة، باعتبار أن الظلم الحاصل من إدانة بريء واحد يفوق الحاصل من تبرئة عدة مذنبين.

وفي القضايا المدنية يقع عبء البينة على المدعي plaintiff: (٢) فإذا ادَّعى شخص، على سبيل المثال، أن مؤسسةً للغسيل الجاف قد ضيعت بذلته، فإن عليه أن يُبرز إيصالَ الاستلام كدليل، وفي حالة عدم وجود إيصال لديه وعدم وجود إيصاله في سجلات المؤسسة فإن الدعوى تسقط لغياب الدليل، أما أن يحاجَّ المدَّعي بأن المؤسسة ليس لديها ما يُثبت عدم استلامها للبذلة فإنه عندئذٍ يقع في مغالطة «الاحتكام إلى الجهل» argumentum ad ignoratiam.


(١) وليم جيمس إيرل: «مدخل إلى الفلسفة»، ترجمة د. عادل مصطفى، مراجعة د. يمنى طريف الخولي، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، العدد ٩٦٢، القاهرة، ٢٠٠٥، ص ٢٧٥ - ٢٧٦.
(٢) هناك استثناءات لهذه القاعدة، واختلافات بين المدونات القانونية في بعض الحالات.

<<  <   >  >>