للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للآخر، القدرة على اكتشاف «ماذا يشبه أن يكون» what it is like أن يعتقد المرء تلك الأفكار التي يضعها موضع التساؤل (١) قبل أن يهم بتقويضها.

إنها رحلة طويلة شاقة، ليس لها خرائط محددة، غير أننا لا نعدم بعض المبادئ المرشدة:

فكِّر بنفسك لنفسك؛ ذلك لأن التقدم في التفكير النقدي لا يتم إلا كرحلة فردية وكدحٍ شخصي، صحيح أن هناك سُبُلًا كثيرة يمكن أن تجعل من الفلسفة جهدًا مشتركًا ومهمة جماعية، شأنها في ذلك شأن العلم، إلا أن على كل شخص في النهاية أن يفكر لنفسه، وألا يَكِلَ إلى غيره أن يفهم نيابةً عنه («افهم لي ذلك من فضلك» هو نموذج لطلبٍ مستحيل!) (٢)

اكتسب القدرة على الانفصال عن رأيك، و «مَوضَعَتِه»، ووضعه على محك التحليل والنقد، مثلما تفعل مع آراء الغير.

لا تُصدِّق كلَّ ما تسمع، ونصفَ ما ترى! ولا تبخل بجهدٍ من أجل الخروج من «مركزية العرق» ethnocentrism … من كهف الآراء الشائعة في عُرف جماعتنا الإثنية، والتمييز بين حقائق العالم وبين مجرد المسايرة لما تَصادَفَ أن يكون هو رأي الأسلاف أو اتَّفق أن يكون هو الرأي السائد في مسقط رأسنا وزمان وجودنا.

كن على استعداد، من حيث المبدأ، للتخلي عن رأيك إذا ما تَبَيَّن خطؤه، اسأل سؤالًا حقيقيًّا، سؤال مَنْ يبحث عن الحق لا عن مجرد تبرير لما يعتقده سلفًا.

تعلَّم كيف تَسُل الافتراضات التي تتبطن الرأي، وتضعها تحت أضواء النقد، ليكن ولعُك بالأسس، وانتحاؤك إلى الأسس.

لا تُسقط رغباتِك على الأشياء ولا تجعل من أمانيك معيارًا للحق، فأكبر الظن أن العالم لم يُخلق من أجلها ولم يُفصَّل على مقاسها.

«خذ» البلاغة، ولا «تؤخذ» بها، وفرِّق دائمًا بين الخطابة والبرهان، ولا يَخْلِبك زخرفُ القول عن جوهر الحجة، ولا تقف عند التشبيه البليغ وتظنه المحطة النهائية وتأخذه مأخذ الدليل.


(١) يطلق على ذلك «لعبة الاعتقاد» the believing game، كمقابلٍ ل «لعبة الشك» the doubting game.
(٢) وليم جيمس إيرل: «مدخل إلى الفلسفة»، ترجمة: عادل مصطفى، المشروع القومي للترجمة، العدد ٩٦٢، المجلس الأعلى للثقافة، ٢٠٠٥، ص ٣٥.

<<  <   >  >>