للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن هناك مائةً من هذه الأمثلة، إذاك خلص السياسي إلى أنه محقٌّ في افتراض أنه بخفض الضرائب المحلية يمكنه أن يقلِّص الجريمة.

لقد أراد السياسي أن «يؤيد» فرضيته فحسب، لا أن «يُفنِّدها»، وربما يكون بذلك قد ضلَّ السبيل، ولعل باحثيه لو جدُّوا في الطَّلَب لأتوا له بمائتي حالةٍ ارتفعت فيها الجريمة بعد إلغاء الضرائب المحلية!

في مجال الاستدلال الإحصائي يُعدُّ انحياز «التأييد» confirmation (أو «التحقيق» verification) ضربًا من الانحياز المعرفي تجاه تأييد الفرضية محل الدراسة، ومن أجل معادلة هذا الميل البشري الملاحظ يتم تشييد المنهج العلمي بطريقة تُلزِمنا بأن نحاول تفنيد disconfirmation (أو تكذيب falsification) فرضياتنا.

وفي مجال السيكولوجيا يُعرَّف انحياز التأييد بأنه ظاهرة تتميز بميل صانعي القرار إلى ملاحظة الأدلة المؤيدة لدعاواهم والاحتفاء بها والتماسها بهمةٍ، بينما يميلون إلى تجاهل الأدلة التي قد تنال من الدعاوى، وإلى التقاعس عن طلبها والبحث عنها، وهي بهذا المعنى تُعد صورة من صور «الانحياز الانتقائي» selection bias في جَمْع الأدلة.

يذهب البعض إلى أن انحياز التأييد قد يكون هو السبب من وراء الاعتقادات الاجتماعية «المُخَلِّدة لذاتها» و «المُحققة لذاتها»، وقد يكون سبب هذا الانحياز هو أن الذهن البشري بحُكم تكوينه يجد صعوبةً في «معالجة» processing الإشارات السالبة أكثر مما يجده في معالجة الإشارات الموجبة.

وتُشير الدراسات الحديثة رغم ذلك إلى أنه بينما تسود مغالطة التأييد كحالةٍ مبدئية، فإن تكرار ورود البيانات المفنِّدة يُحدث تحولات في التفكير النظري، فالمسلك العام لدى الباحثين هو استبعاد البيانات المفنِّدة في البداية باعتبارها نتاج زللٍ أو سهو أو عوامل دخيلة، غير أن تكرار البيانات المفنِّدة وتراكمها وإلحاحها في الظهور يُحدث تغيرًا في استراتيجيات الاستدلال السببي. (١)


(١) لمزيدٍ من الإيضاح انظر أيضًا «بنية الثورات العلمية» لتوماس كون، وله بالعربية أكثر من ترجمة، ومن تمام القول أن نُشير إلى أنه في السياق العياني لا يقع الناس في خطا انحياز التأييد بنفس المعدل: من ذلك أنه لدى تقديم نسخة «عيانية» من نفس الاختبار اهتدَى عددٌ كبير من المشاركين إلى الإجابة الصحيحة، من أمثلة هذه الصيغة العيانية تقديم أربع بطاقات كل بطاقة بها مشروبٌ معين على أحد وجهيها وعُمْرُ شارِبِه على الوجه الآخر: قهوة، كولا، ١٤، ١٨، وتقول الفرضية إنه إذا كان الشخص يشرب القهوة فإن عمره إذن لا بد من أن يكون فوق ١٦.

<<  <   >  >>