فنحن نرتكب إذَّاك «مغالطة العَرَض (المباشر)» fallacy of accident، أما حين نفعل العكس ونتناول، عن غفلة أو عن قصد، مبدأ يصدق على حالةٍ استثنائية معينة ثم نمده لينسحب على المجرى العام للحالات، فإننا نرتكب «مغالطة العرض المعكوس» fallacy of converse accident، والحق أن مكمن الخطأ واحد في الحالتين، وهو إغفال المقيدات أو المحدِّدات أو الشروط التي ينطوي عليها التعميم، واستخدام القاعدة ذات الاستثناءات المقبولة على أنها قانون مطلق.
ذلك أن بمقدور التَّنَطُّع أن يخلط بين صنفين مختلفين من التعميم:
(١)«التعميم الشامل أو المطلق»: وهو تعميم لا يسمح بأي استثناء، ويكفي «مثال مضاد» counter-example واحد لدحضه أو تكذيبه.
(٢) «التعميم القابل للإبطال defeasible أو المقيَّد qualified»: وهو تعميم يسمح باستثناءات، ويتساوق مع وجود أمثلة مضادة معينة، إنه تعميم غير صارم، بل اختباري وقابل للتعديل والتطوير.
إلى هذا الصنف الأخير من التعميم تنتمي أغلب القواعد والمبادئ الأخلاقية والاجتماعية والمدنية والعُرفية، وكذلك التعميمات التجريبية والفروض المسبقة، والحِكَم والأمثال والأقوال المأثورة، ويعج الحس المشترك بمثل هذه القواعد العامة التي تصدق على الجملة لا على الإطلاق، إننا نعيش فيها وبها، ونعرف بفضلها وجهتنا وننظم حياتنا وندخر طاقتنا، على أن نأخذها مأخذ الأداة التي ينبغي أن نستخدمها لا أن تستخدمنا، فهي، شأن كل أداة، قد تجلب الضرر مثلما تجلب النفع، وذلك حين يُساء استخدامها، وإساءة استخدام القواعد هي أن نأخذها مأخذ المطْلَقات حين نكون بصدد الاستثناء، أو، على العكس، حين نأخذ الاستثناء مأخذ القاعدة.
إن أصلب القواعد العملية وأشدها ثابتًا وبداهة إنما تقوم على المألوف المتاح في البيئة، وتنتسب إلى السياق الثقافي والتاريخي للمرء (مثال ذلك أن قولنا «معظم الطيور قادرة على الطيران» إنما هو تعميم تجريبي من الخبرة المتاحة، وليس ما يمنع أن تكون هناك أعداد غفيرة من طيور البطريق في القارة المتجمدة الجنوبية تقلب الآية وتجعل الصواب أن «معظم الطيور لا تطير»).
تُعَلِّمنا الخبرة أنه ما من تعميم، مهما اتسع تطبيقه وعَمَّ نفعه، إلا وله استثناءاتٌ تفلت من طائلته، في مجال القانون مثلًا نجد أن المبادئ التي تصح في عموم الأحوال