للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنها قبل ذلك بأيام قد أفلحت لحسن حظها في الإفلات من هذه الصُّحبة المخوفة؛ فاستأجرت منزلًا في الريف يبعدها عن حيث كانت امرأة أبيها كل البُعد، وها هو ذا الحلم قد أتى فإذا هو يقلب هذا الوضع رأسًا على عقب، ألا ينقض ذلك نظريتي في تحقق الرغبة بوساطة الحلم أقطع نقض؟ يقينًا، ولا يحتاج المرء إلى أن يستخرج النتيجة التي تخلص من هذا الحلم لكي يحصل على تفسيره: إن الذي يخلص من هذا الحلم هو أنني كنت على خطأ، وهكذا فقد كانت رغبتها هي أن أكون على خطأ والحلم يريها تحقق هذه الرغبة.» (١)

يذهب أنصار التحليل النفسي إلى أن المشاهدات الإكلينيكية تؤيد نظرياتهم، من حيث هي وقائع تجريبية تربط النظرية بالعالم ربطًا اختباريًّا فتمنحها الصفة العلمية، غير أن هذه الملاحظات الإكلينيكية، شأنها شأن كل الملاحظات الأخرى، هي تأوُّلات في ضوء النظرية؛ ولهذا السبب وحده تكتسب مظهر المدَعِّم لتلك النظريات التي تم في ضوئها تفسير هذه الملاحظات، إنها أشبه بثوبٍ خُلِع «من» النظرية ثم خُلِع «عليها» … فَهالَهُم أنه انطبق على النظرية وأيَّدَها تأييدًا، وهو منطقٌ معكوس يقع فيه كل من يقرأ فكرتَه ويتأوَّلها في كلِّ شيءٍ ويراها في كلِّ شيءٍ لأنه لا يرى إلا بها! وهو منطق معكوس تجد له أمثلة لا تحصَى في النظريات الميتافيزيقية التي تبدو الوقائعُ مؤيدة لها، ولو دققنا النظر في هذه الوقائع لَتَبَيَّن لنا أنها اختيرت في ضوء النظريات عينِها التي نريد اختبارها بها.

قلَّما يخضع التحليل النفسي للاختبار في الممارسة الحقيقية، وحتى حين يعرض للاختبار فإن الاستدلال كثيرًا ما يكون دائريًّا، بمعنى أن تفسير المعطيات نفسها يتطلب افتراض صدق النظرية، مثال ذلك ما ورد عن نتائج دراسة حول عقدة أوديب Oedipus Complex حيث كانت نسبة الفتيات أكبر من نسبة الأولاد بدرجة عالية الدلالة فيما يتصل بتخيل الصورة الذكرية ترتقي الدرَجَ وتدخل الغرفة، وهو بالطبع أقوى دليل على صدق نظرية فرويد، حيث إن ارتقاء السلم في نظرية فرويد هو رمز للجماع، (٢) مثل هذا الدليل مشكوك فيه إلى حد كبير؛ لأن


(١) سيجموند فرويد: «تفسير الأحلام»، ترجمة د. مصطفى صفوان، المؤلفات الأساسية في التحليل النفسي بإشراف الدكتور مصطفى زيور، دار المعارف، ١٩٩٤، ص ١٧٥ - ١٧٦.
(٢) Kline، P. (١٩٨٤)، Psychology and Freudian Theory، New York، Methuen، p. ٧٢.

<<  <   >  >>