للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شيء من الاستهانة والازدراء «إنهم يُكرِّمون التكريم!» أي إنهم لم يَفْطِنوا إلى قيمته من قبل، وإنما جاءوا لتكريمه بعد أن جاءته جائزة نوبل. (١)

وفي محاورة فايدروس لأفلاطون يُبيِّن سقراط حجة معينة باختراع أسطورة صغيرة عن المصريين القدماء، فيرد عليه فايدروس بقوله: إن بوسع سقراط بطبيعة الحال أن يخترع قصصًا عن المصريين القدماء أو عن أي مكان يشاء، عندئذٍ يرد سقراط على هذا النقد باختراع أسطورة إضافية:

يُرْوَى أن أولى النبوءات قد صدرت عن شجرة بلوط في محراب زيوس في دودونا، ولم يكن الناس قديمًا في بساطتهم على شاكلتكم معاشر الشباب في فلسفتكم، بل كانوا لا يستنكفون أن يسمعوا الحقيقة ولو من شجرة بلوط أو صخرة، فبِحَسْبِهم أنها الحقيقة، أما أنت فلا تقنع فيما يبدو بما إذا كان شيءٌ ما حقًّا أم لا، بل يعنيك مَنْ القائل ومن أي بلاد تأتي الرواية.

في هذه الفقرة يذكرنا سقراط بأن ما تعنينا معرفته عن عبارة معينة هو ما إذا كانت حقًّا أم باطلًا، أما المصدر الذي جاءت منه العبارة، سواء كان شجرة أو صخرة أو أسطورة مصطنعة خصيصًا، فأمرٌ خارج عن الموضوع.

وفي كتابه «النقد الفني» يصوغ جيروم ستولنيتز المغالطة المنشئية (مغالطة الأصل) صياغةً محكمة فيقول:

وبالاختصار فإن منشأ «س» شيء، و «س» ذاتها شيء آخر، وما إن تبدأ «س» في الوجود حتى تصبح لها حياةٌ خاصة بها، إن جاز التعبير، وسوف يصبح لها - شأنها شأن النظرية أو الكائن البشري - تركيب وقيمة، وتدخل في علاقات مع الأشياء الأخرى، لا يمكن فهمها تمامًا من خلال أصلها الأول، فلا بُدَّ لنا من دراسة هذه السمات لكي نعرف كُنهها. (٢)


(١) هكذا غنى طاغور، ترجمة خليفة محمد التليسي، الدار العربية للكتاب، ليبيا-تونس، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ١٩٨٩، ص ١٠.
(٢) جيروم ستولنيتز: «النقد الفني - دراسة جمالية وفلسفية»، ترجمة د. فؤاد زكريا، الطبعة الثانية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٨١، ص ٢٤.

<<  <   >  >>