إن القضية الصادقة هي قضيةٌ صادقة، بغضِّ النظر عن شعورنا تجاه نتائجها، ومن الحصافة أن نُسلِّم بأن العالم لم يُفَصَّل حسب طلبنا، وأن الأشياء لا تأتي على مقاس رغباتنا ومصالحنا، وأن ما نود أن يكون عليه الحال هو أمر غير ذي صلة بما هو عليه الحال بالفعل، ليس ثمة علاقة منطقية تربط ما بين نتائج اعتقادنا في قضية ما وبين «قيمة صدق» هذه القضية (أي نصيبها من الصدق والكذب).
ربما يستدعي ذلك في الذهن قول فرويد في «محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي»: «أُوذِيَ الإنسان ثلاث مراتٍ في غروره واعتزازه بنفسه وبمكانته في العالم: كانت المرة الأولى عندما تم التحول الأكبر في عصر النهضة من مركزية الأرض إلى مركزية الشمس على يد كوبرنيكوس (١٤٧٣ - ١٥٤٣ م) الذي افترض أن أرضنا ليست هي مركز الكون، وكان من الضروري أن يستخلص الإنسان من ذلك أنه ليس تاج الخليقة وأن العالم لم يُخلق من أجله، وكانت المرة الثانية عندما قدَّم تشارلس دارون (١٨٠٩ - ١٨٨٢ م) كتابه عن أصل الأنواع عن طريق الانتخاب الطبيعي، فأثَّرت نظريته في التصور الديني بوجهٍ خاصٍّ عن كون الإنسان صورةَ الله وخليفته في الأرض، أما المرة لثالثة فكان الأذى أشد قسوةً وأعمق جرحًا، إذ جاء من جانب البحث السيكولوجي الراهن الذي يريد أن يُثبت للأنا أنها لا تملك حتى أن تكون سيدةً في بيتها الخاص، وإنما تظل معتمدةً على أنباءٍ شحيحةٍ عما يجري بصورةٍ غير واعية في حياتها النفسية» (محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي، محاضرة ١٨).