وحكى «بنان» قال: كنت فى مسجد، وإذا بجماعة من الصّيارف دخلوا فى المسجد ومعهم مال كثير، فنظروا فيه ووزنوه، فجاء لهم فقير من زاوية المسجد، وقال: هل من شىء «١» لله تعالى؟ فقالوا له: فتح الله عليك.
قال: فانصرف إلى مصلّاه، فلما انصرفوا جاء الفقير إلى مكانهم، فوجد كيسا فيه خمسمائة دينار، فأخذه الفقير ووضعه تحت الحصير، فافتقد الصيارف المال فوجدوه قد نقص، فرجع أحدهم للمسجد وطلبه، فلم يجده، فسأل الفقير عنه، فقال: خذه من تحت الحصير، فأخذه وفتحه وأخرج «٢» منه عشرين دينارا، وقال للفقير: خذ هذه. فأبى أن يقبلها. فقال له: إنك سألتنا الساعة درهما ولم تعطه «٣» ، وقد دفعت لك عشرين دينارا فى هذا الوقت!
فقال له:«لمّا سألتكم درهما لم تعطونى إيّاه لفقرى وفاقتى، وأنتم الآن دفعتم ذلك لى لأجل دينى وأمانتى بالدنيا!» . ولم يقبل منه شيئا.
وقال «بنان» : حججت سنة من السنين فرأيت فى الطريق جارية ليس معها زاد ولا راحلة، فقلت لها: أين تذهبين؟ قالت: إلى بيته. فأخرجت لها من جيب مرقّعتى «٤» خمسة دنانير وناولتهم لها، فلما وقع بصرها عليهم رمت بهم إلىّ، ومدّت يدها فى الهواء وفتحتها فإذا هى مملوءة ذهبا! ثم قالت لى: يا «بنان» ، أنت تنفق من الجيب وأنا أنفق من الغيب!
ثم إنها ما زالت معنا حتى ذهبنا إلى مكة، ورجعت معى إلى مصر. فتوفّيت ودفنت تحت رجليه، وكانت من العابدات، واسمها «سعيدة» ، حجّت ثلاثين حجّة راجلة على قدم التّوكّل.