للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم غلبني ما أعلم منه فعُدْتُ لمَقالَتِي، وعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال: يا سعد! إني لأعطي الرجل وغيرُه أحبُّ إليّ منه؛ خشيةَ أن يكُبَّه الله في النار» (١).

ففي هذا الحديث استدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - على سعد - رضي الله عنه - استدراكين: استدراك على لفظه، واستدراك على فهمه.

أما الاستدراك على لفظه فهو في التعبير عن رأيه في الرجل بلفظ الإيمان عندما قال: «فوالله إني لأراه مؤمنًا»، فاستدرك عليه الجزمَ بهذا اللفظ - وهو الوصف بالإيمان - فقال: «أوْ مُسلِمًا». قال في (هدي الساري) في معنى (أوْ) هنا: «هو بسكون الواو على معنى الإضراب، ويجوز أن يكون بمعنى التردد أي لا تقطع بأحدهما» (٢). وفائدة هذا الاستدراك التفريق بين إطلاق اللفظين، بالتنبيه على الخطأ في إطلاق اللفظ الأول في هذا المقام. قال النووي: « ... معناه النهى عن القطع بالإيمان، وأن لفظة الإسلام أولى به، فإن الإسلام معلوم بحكم الظاهر، وأما الإيمان فباطن لا يعلمه إلا الله تعالى» (٣).

وأما الاستدراك على فهمه فهو فيما ظنه من أن العطاء دليل محبة وتفضيل، فاستدرك عليه هذا الفهم بقوله: «يا سعد! إني لأعطي الرجل وغيرُه أحبُّ إليّ منه؛ خشيةَ أن يكُبَّه الله في النار». قال في (فتح الباري): «ومحصل القصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوسع العطاء


(١) (١/ ١٤)، ك الإيمان، ب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لقوله تعالى {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: ١٩]، رقم (٢٧).
(٢) هدي الساري مقدمة فتح الباري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، (٨٧).
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي، (٢/ ١٨١).

<<  <   >  >>