للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالسبب دخول وقت الوجوب، والحكم وجوب إخراج زكاة الفطر، وحصول السبب إنما كان في وقت ملك الأول، فعلمنا أن الخطاب توجّه إليه بمجرد حصول السبب، وبالتالي لا يتوجّه الخطاب إلى المالك الثاني.

النموذج الثالث: استدراك الشافعي على نفسه في مسألة: وضع الجار أجذاعه (١) في جدار جاره.

جاء في (الحاوي الكبير): «فَكَانَ يَذْهَبُ (٢) فِي الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّ لِلْجَارِ أَنْ يَضَعَ أَجْذَاعَهُ فِي جِدَارِ جَارِهِ جَبْرًا بِأَمْرِهِ وَغَيْرِ أَمْرِهِ، ... ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ أَجْذَاعَهُ فِي جِدَارِ جَارِهِ إِلَّا بِأَمْرِهِ، كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْلَاكِ الَّتِي لِجَارِهِ إِلَّا بِأَمْرِهِ» (٣).

تحليل الاستدراك: جواز وضعِ الأجذاع على جدار الجار بدون إذنه تنازعه أصلان، أصل عام وهو: ما دلّت عليه عمومات الشريعة من حرمة التصرف في مال المرء إلا بإذنه، وأصل خاص وهو: النهي عن منع الجار جاره أن يرتفق بجداره الوارد في الحديث: «لا يمنع جارٌ جاره أن يغرز خشبَهُ في جداره» (٤).

بنى الشافعي مذهبه القديم على ظاهر الحديث، فحمل النهي فيه على التحريم، وبدا له في مذهبه الجديد معارضة هذا لعموم تحريم التصرف في مال المرء إلا بإذنه، فجعل هذا الأصل الأخير صارِفًا للنهي في الحديث عن التحريم إلى الكراهة (٥).


(١) جمع جِذْع، وهو ساق النخلة. [يُنظر: مادة (جذع) في: لسان العرب، (٣/ ١٠٤). و: القاموس المحيط، (٦٣٧)].
(٢) أي الإمام الشافعي.
(٣) الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي - رضي الله عنه - وهو شرح مختصر المزني، علي بن محمد بن حبيب الماوردي، (٦/ ٣٩١).
(٤) رواه البخاري في: صحيحه، (٣/ ١٣٢)، ك المظالم، ب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره، رقم (٢٤٦٣).
(٥) ويُنظر: الحاوي الكبير، (٦/ ٣٩١). و: فتح الباري، (٥/ ١١٠).

<<  <   >  >>