للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: كُلَّ ذَلِكَ لَا أَقُولُ، وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنِّي، وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ (١) أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لَا رِبًا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ» (٢).

تحليل الاستدراك:

فسر ابن عباس - رضي الله عنهما - الحصر على ظاهره في الحديث «لَا رِبًا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ» فعمم الحكم على كل ربويَّين، مختلفين كانا أو متماثلين؛ أنه لا يحصل الربا بينها بالتفاضل إلا عند عدم التقابض في مجلس العقد. ولكن أبا سعيد - رضي الله عنه - بلَّغه نصًّا به يتأَوّل الحصر الظاهر إلى مفهوم آخر، وهو ما ذكره العلماء - بعدُ - من وجوه للجمع بين النصين، من أن حديث أسامة - رضي الله عنه - هو في الربويين المختلفين، أو أن النفي في الحديث هو نفي الأغلظ والشديد، وليس نفي ذات الربا (٣)، فيكون للحديث محمل خاص خفي على ابن عباس - رضي الله عنهما -.

النموذج الثاني:

استدراك صاحب (فتح الباري) على تأويل معنى: «فالتفتوا إليها».

ذلك أنه في (صحيح البخاري) بسنده عن جابر بن عبد الله (٤)

- رضي الله عنهما - قال: «بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا


(١) هو: أبو زيد، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو حارثة، وقيل: أبو يزيد، أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبدالعزى بن امرئ القيس، المولى الأمير الكبير. حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومولاه، وابن مولاه، رباه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو ابن حاضنة النبي - صلى الله عليه وسلم -: أم أيمن، وكان أبوه أبيض، بينما هو شديد السواد، وقد فرح له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول مجزز المدلجي - لما رأى أقدامهما -: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على جيش لغزو الشام، وكان عمره ١٨ سنة، وفي الجيش عمر والكبار ; فلم يسرِ حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبادر الصديق - رضي الله عنه - ببعثهم، توفي سنة ٥٤ هـ.
[يُنظر: أسد الغابة، (١/ ١٠١). و: سير أعلام النبلاء، (٢/ ٤٩٦)].
(٢) رواه البخاري، (٣/ ٧٤)، ك البيوع، ب بَيْعِ الدِّينَارِ بِالدِّينَارِ نَسَاءً، رقم (٢١٧٨، ٢١٧٩).
(٣) يُنظر: فتح الباري، (٧/ ٦).
(٤) هو: أبو عبد الله، وأبو عبد الرحمن، جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، الأنصاري، الخزرجي، السلمي، المدني، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الإمام الكبير، المجتهد، الحافظ، الفقيه، مفتي المدينة في زمانه، من المكثرين في الحديث.
شهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صبي، من أهل بيعة الرضوان، أطاع أباه يوم أحد وقعد لأجل أخواته، ثم شهد الخندق وبيعة الشجرة، وكان آخر من شهد ليلة العقبة الثانية موتا، توفي سنة ٧٨ هـ.

[يُنظر: أسد الغابة، (١/ ٣٧٧). و: سير أعلام النبلاء، (٣/ ١٨٩)].

<<  <   >  >>