للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيها سبيل الإنصاف، وعزيت الأحاديث إلى من خرجها، وأوردت من طرقها أوضحها وأبهجها؛ ليظهر لمن نظر فيها وأنصف أننا أكثر الناس انقيادًا لكتاب الله تعالى، وأشد اتباعًا لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» (١).

المظهر التاسع: تدوين الفقه المقارن.

لما اشتغل أهل المذاهب بكتب مذاهبهم، فنقحوها، وخصّوا الفروع بمصنفات تُنتقى فيها الأقوال المُعتمدة والمُصحّحة ويُطّرح ما سواها، واجهَ هذا الأسلوب في التصنيف أسلوبٌ آخر، رأى أن في هذا تضييقًا لمجال الفقه بعد أن كان للناس فيه سعة، فأُلّف في مواجهة هذا المصنفات الحاوية للأقوال مع مداركها.

ومن تطبيقاته:

يعرض لنا ابن عاشور هذا الأمر، مستثمرًا دوافع التأليف لكل من (بداية المجتهد) لابن رشد في مقابل (الوجيز) للغزالي.

قال: «وعلى ما اصطبغ به كتاب الغزالي (الوجيز) من إبداع في التحرير وإتقان في الضبط ودقة في الاختصار، فإن كثيرًا من الفقهاء نظروا بعيدًا، فرأوا أن هذا المنهج الذي سلكه الغزالي - وإن كان مقبولاً بحسب ما رآه من الاعتبارات التي بينها في خطبة (الوجيز) وبيّنها من جهة أخرى في كتاب (إحياء علوم الدين) - فإنه سيكون خطرًا في المستقبل؛ لأنه سيجعل الفقه ملتزمًا التزامًا بصورة تنسي الناس الأقوال المختلفة، وتجعلهم في حرج من قول يطبق بالتزام، مع أن لهم مندوحة عن ذلك القول إلى أقوال أخرى لو أرادوا» (٢).

ويذكر أن ابن رشد الحفيد وقف أمام مسلك الغزالي في (الوجيز) فقال: «وجاء ابن رشد يلاحظ أن الطريقة التي درج عليها الغزالي إنما تكون متجهة إلى إعداد شيء كثير من الفقه، وإلى تضييق المجال في تكوين الفقهاء، حتى تقتل فيهم


(١) علي بن زكريا بن مسعود المنبجي، (١/ ٣٧).
(٢) محاضرات، (٧٥).

<<  <   >  >>