للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن نماذجه:

عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (١) أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ - وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيّ - فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ، وَلَكِنَّهُ نَسِىَ أَوْ أَخْطَأَ، إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا، فَقَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ في قَبْرِهَا» (٢).

فالشاهد قول عائشة - رضي الله عنها - «أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِىَ أَوْ أَخْطَأَ»، فإنها لما اعتقدت خطأ ما رآه ابن عمر - رضي الله عنهما - اعتذرتْ له بالخطأ أو النسيان.

ونبّه الفقهاءُ الناظرينَ في الأعمال الفقهية إلى هذا، من ذلك قول صاحب (كشاف القناع): «ومن عثر على شيء مما طغى به القلم، أو زلت به القدم، فليدرأْ بالحسنة السيئة، ويحضر بقلبه أن الإنسان محل النسيان، وأن الصفح عن عثرات الضعاف من شيم الأشراف، و {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (٣)، {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (٤)» (٥).

١٦ - وضوح العبارة عند الاستدراك، حيث يفهمها المستدرَك عليه والناظر في الاستدراك؛ لأن المقصود من الاستدراك إيصال الحق وتوضيحه؛ فيلزم منه أن يكون بكلام واضح لا لبس فيه، وقد تقرر أن الاستدراك الفقهي داخل في البلاغ، وأن البلاغ لابد أن يكون مُبينًا (٦).


(١) هي: عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية النجارية المدنية، الفقيهة، والدة أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، تريبة عائشة وتلميذتها. عالمة، فقيهة، حجة، كثيرة العلم. قيل توفيت سنة ٩٨ هـ وقيل ١٠٦ هـ.
[يُنظر: سير أعلام النبلاء، (٤/ ٥٠٧). و: تهذيب الكمال، (٣٥/ ٢٤١)].
(٢) صحيح مسلم، (٤١٤)، ك الجنائز، ب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، رقم (٢٧ - ٩٣٢).
(٣) هود: ١١٤.
(٤) هود: ٨٨.
(٥) (١/ ٣٦).
(٦) سبق تقرير ذلك في الباب الأول، الفصل الثاني.

<<  <   >  >>