للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاطلاع على ثمرات العقول المختلفة؛ فأبو حنيفة يلتقي مع الأوزاعي ويناقشه ... ويناظر مالكٌ أبا حنيفة حتى يعرق من المناظرة معه، ويقول لليث: إنه لفقيه يا مصري. ويزامل الليثُ بن سعد مالكًا في الدراسة، ويتلقى عمن تلقى عنه، ثم يسافر إلى العراق، ويرى أبا حنيفة يجيب عن مسألة فيصوّر الليثُ انطباعه لهذه الإجابة بقوله: «والله ما أعجبني صوابُه كما أعجبتني سرعة جوابه»، ثم يعود الليث إلى مصر. كما يلتقي أبو يوسف بمالك، ثم يتتلمذ محمد بن الحسن عليه، ويروي عنه الموطأ، ويعلق عليه من وجهة نظر مدرسته، ويتعلم الشافعي بمكة والمدينة، ثم يلتقي بمحمد بن الحسن، ويأخذ عنه، ويناظره، ويرحل أسد بن الفرات إلى مالك ويسمع منه، ثم يذهب إلى العراق، فيلقى أبا يوسف ومحمد بن الحسن، وقد ذكر القاضي عياض أن أبا يوسف أخذ عنه موطأ مالك» (١).

ويذكر التأثير التقاربي للمناظرات على الاتجاهين فقال: «فإذا عيب على أهل الرأي أنهم لا يشتغلون برواية الحديث فقد نفعهم هذا النقد، وحاولوا أن يسدوا هذه الثغرة، فاشتغلوا برواية الحديث على يد أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وإذا عيب على أهل المدينة أنهم لا يعطون العقل حريته في التصور وفرض الفروض، فقد سلموا عمليّا بذلك، وامتلأت كتبهم من بعد بالفروع المقدرة والفروض الممكنة، سواء في الفقه المالكي والفقه الشافعي» (٢).

وسجّل صاحب (الفكر السامي) أيضًا هذا الأثر فقال: «ولكن لما انتقلت العاصمة إلى بغداد نقل بنو العباس علماء جلة من الحجاز إلى العراق لنشر السنة، منهم ربيعة بن أبي عبد الرحمن ويحيى بن سعيد (٣) وهشام بن عروة،


(١) (٧٤ - ٧٥).
(٢) (٧٦). ويُنظر: (١٢١) منه.
(٣) هو: أبو سعيد، يحيى بن سعيد بن قيس، الأنصاري الخزرجي النجاري المدني القاضي، الإمام، عالم المدينة في زمانه، وشيخ عالم المدينة، وتلميذ الفقهاء السبعة. عنه اشتهر حديث «إنما الأعمال بالنيات»، حتى يقال: رواه عنه نحو المئتين. أقدمه المنصور العراق، فولاه قضاء الهاشمية. توفي سنة ١٤٣ هـ.
[يُنظر: تهذيب الأسماء واللغات، (١/ ٧١٢). و: سير أعلام النبلاء، (٥/ ٤٦٨)].

<<  <   >  >>