للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويرى هنتنجتون أن «السياسات العالمية بعد أن حفزتها حركة (التعصير)، يجري إعادة تركيبها الآن لتكون منسجمة مع الخطوط الثقافية. فتتقارب الشعوب والدول ذات الثقافات المتشابهة لتجتمع معًا. بينما تتباعد الشعوب والدول ذات الثقافات المختلفة فتفترق. فالتكتلات التي حددتها العلاقات بالأيديولوچية وبالقوة العظمى تنهار فتخلي السبيل لقيام تكتلات تحددها الثقافة والحضارة. ويجري إعادة رسم الحدود السياسية، على نحو يزداد يومًا بعد يوم، لتتلاءم مع الحدود الثقافية: العرقية، والدينية، والحضاراتية. وتحل التجمعات الثقافية الآن محل كتلة الحرب الباردة، وتصير خطوط الصدع بين الحضارات أكثر فأكثر هي الخطوط المحورية للصراع في السياسات العالمية» اهـ (١).

من الملاحظ أن هنتجتون رغم استعراضه في كتابه لنماذج الحضارات المنبعثة - التي وصفها بـ (الثقافات الأهلية) -، والتي يذكر أن انبعاثها يمثل رفضًا، بل وتهديدًا للثقافة الغربية من نواحي عدة، فإنه يعطي اهتمامًا خاصًا لانبعاث الصحوة الإسلامية؛ فعلى الرغم من أنه قَرَنَ في عدة مواضع بين الخطر الإسلامي والخطر (الأصفر) الكونفوشيوسي (٢)، إلا أنه يخصص الإسلام دون غيره بقوله (٣): «أزال انهيار الشيوعية العدو المشترك للغرب والإسلام وجعل كل منهما يرى الآخر هو الخطر الأكبر»، ولقد كان محددًا حينما حصر المسألة في قوله (٤): «إن المشكلة الأساسية التي يعاني منها الغرب هي ليست الأصولية الإسلامية المتطرفة، بل إنها الإسلام نفسه» اهـ.

ولقد أيده الكثيرون في مقالته تلك؛ فكما تذكر الصحافية الأمريكية باربرا فيكتور أنه «منذ سقوط الإمپراطورية السوفيتية، تغيرت ذهنية الأمريكيين تغيرًا قويًّا؛ فقد أصبح الإسلام المتشدد، بدلًا من الشيوعية، هو الشر الأقصى» (٥)، كذلك فقد وصف القس


(١) السابق، ص (١٦٩).
(٢) نسبة إلى الفيلسوف الصيني كونفوشيوس Confucius (٥٥١ - ٤٧٩ ق. م).
(٣) صامويل هنتنجتون: صراع الحضارات، ص (٢٩٩).
(٤) السابق، ص (٣٠٨).
(٥) باربرا فيكتور: الحرب الصليبية الأخيرة، ص (٢٤).

<<  <   >  >>