للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باعتبارها قبلة الديمقراطية الغربية في الشرق الأوسط. لكن الحاصل أنه حينما سعت أمريكا - وفي ذيلها الغرب - لنشر هذه التعاليم المشبوهة في أوساط الجماهير المسلمة الغافلة، من ناحية، بل وفي نفخ سمومها في صفوف نصارى الشرق ومهاجريهم في الغرب، وتحريضهم على إثارة الفتن والقلاقل، من ناحية أخرى، تحت غطاء المواطنة وحقوق الإنسان وغيرها، وجدت نفسها مصطدمة بطائفة قد عناها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس» (١). فلقد بزغت شمس الصحوة الإسلامية متمثلة في هذه الطائفة، وذلك مصداقًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» (٢)، فقاموا يكشفون الشبهات، ويعلمون الناس أمر دينهم، وأصول إيمانهم، والذي هو أوثق عراه كما أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله» (٣)، وباتت آثار هذه الصحوة واضحة للعيان لا ينكرها إلا جاحد.

وهنا مكمن الخطر؛ إذ إن «الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله» تناقض في مفهومها وفي تطبيقها العملي مبادئ الديمقراطية الحرة، وفق التصور الذي يريد الغرب أن يروج لها به؛ حيث تحل (الإنسانية) محل الإله في الموالاة والمعاداة وفي الحب والبغض.

وهنا ملحظ مهم، وهو أن المشروع الأمريكي (لإنهاء العداوة) انطلق في الأساس من مبدأ (العداوة)!؛ العداوة للطرف الآخر وعدم القبول به والرغبة في تقويضه داخليًا والسيطرة عليه. فالغرب، لا سيما الولايات المتحدة - كما يذكر هنتنجتون - «كان دائمًا أمة مُبَشِّرة» (٤)، وهذا القول كشف لي معنىً خفيًّا؛ وهو أن المساعي التبشيرية الحالية في طورها العَلْماني لا تختلف كثيرًا، بل ولا تتعارض - من حيث المبدأ - عن الإرساليات


(١) رواه مسلم، كتاب الإمارة: ١٠٣٧
(٢) رواه أبو داود، كتاب الملاحم: ٤٢٩١، وصححه الألباني.
(٣) رواه الطبراني في (الكبير) (١١/ ٢١٥)، وصححه الألباني في (صحيح الجامع): ٢٥٣٩
(٤) صامويل هنتنجتون: صراع الحضارات، ص (٢٥٦).

<<  <   >  >>