للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقديمًا أجاب محمد أسد رحمه الله عن هذا بقوله (١): «ليست مثل هذه المعضلات موضع استغراب أبدًا، فإنه من المشهور في علم النفس أن الإنسان قد يفقد جميع الاعتقادات الدينية التي تلقنها في أثناء طفولته، بينما تظل بعض الخرافات الخاصة - والتي كانت من قبل تدور حول تلك الاعتقادات المهجورة - في قوتها تتحدى كل تعليل عقلي في جميع أدوار ذلك الإنسان، وهذا حال الأوروپيين مع الإسلام؛ فعلى الرغم من أن الشعور الديني الذي كان السبب في النفور من الإسلام قد أخلى مكانه في هذه الأثناء للاستشراف على حياة أكثر مادية، فإن النفور القديم نفسه قد بقي عنصرًا من الوعي الباطني في عقول الأوروپيين. وأما درجة هذا النفور من القوة فإنها تختلف بلا شك بين شخص وآخر، ولكن وجوده لا ريب فيه. إن روح الحروب الصليبية مازال يتسكع فوق أوروپا، ولا تزال مدنيتها تقف من العالم الإسلامي موقفًا يحمل آثارًا واضحة لذلك الشبح المستميت في القتال» (٢).


(١) محمد أسد: الإسلام على مفترق الطرق، ص (٦١).
(٢) يقول الدكتور المسيري رحمه الله في موسوعته الشهيرة - وسيأتي التعريف بهما في الفصل التالي -: «وأثناء كتابة هذه الموسوعة لاحظت تكرار كلمة (مسلم) في مقال عن التدرج الاجتماعي في معسكر أوشفيتس Auschwitz [أحد معتقلات النازي]، وقال مرجع آخر إن الضحايا الذين كانوا يقادون لأفران الغاز كانوا يسمونهم تسمية غريبة. وقد تبين بعد قراءة عدة مراجع وموسوعات إلى أنهم كانوا يسمونهم في واقع الأمر (ميزلمان Muselman) أي (مسلم) بالألمانية. وقد ورد ما يلي في مدخل مستقل في الموسوعة اليهودية Encyclopedia Judaica جزء ١٢ ص٥٣٧ - ٥٣٨ عنوانه (مسلم/ميزلمان): "هي إحدى المفردات الدارجة في معسكرات الاعتقال، والتي كانت تستخدم للإشارة للمساجين الذين كانوا على حافة الموت" .... هذه هي المعلومة، فكأن العقل الغربي حينما كان يدمر ضحاياه كان يرى فيهم الآخر، والآخر منذ حروب الفرنجة هو المسلم. ومن المعروف في تاريخ العصور الوسطى أن العقل الغربي كان يربط بين المسلمين واليهود ... إن التجربة النازية هي الوريث الحقيقي لهذا الإدراك الغربي، والنازيون هم حملة عبء هذه الرؤية، وهم ممثلو الحضارة الغربية في مجابهتها مع أقرب الحضارات الشرقية، أي الحضارة الإسلامية. وهم لم ينسوا قط هذا العبء حتى وهم يبيدون بعضًا من سكان أوروپا. وهم في هذا لا يختلفون كثيرًا عن الغزاة الإسپان للعالم الجديد الذين كانوا يبيدون سكانه الأصليين وكانوا يسمونهم (الترك) أي المسلمين ... وقد حاول كاتب مدخل (مسلم) في الموسوعة اليهودية أن يفسر أصل استخدام الكلمة، فهو يدَّعي أن الضحايا سُموا (مسلمين) استنادًا إلى طريقة مشيهم وحركتهم: "إنهم كانوا يجلسون القرفصاء وقد ثُنيت أرجلهم بطريقة (شرقية) ويرتسم على وجوههم جمود يشبه الأقنعة". والكاتب في محاولة تفسيره هذه لم يتخل قط عن عنصريته الغربية أو الصور النمطية الإدراكية، كل ما في الأمر أنه حاول أن يحل كلمة (شرقيين) العامة محل كلمة (مسلمين) المحددة» اهـ[د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (٢/ العرب والمسلمون والإبادة النازية ليهود أوروپا) باختصار، وانظر كذلك: The Blackwell Dictionary of Judaica, p(٣٨٠): Muselman (German: "Muslim")].

<<  <   >  >>