كتاب حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر - هل المجتمع الغربي علماني أم مسيحي؟ - ص: 131

وحقيقة أعجبتني ملاحظة الدكتور يوسف زيدان حينما قال (١): «أؤكد أن العَلْمانية خرافة والفكر العَلْماني غير رشيد وغير فلسفي؛ لأن الدين لا يمكن وجوده في الواقع بعيدًا عن السياسة. ولا يمكن تطوير سياسة واقعية فعلية بعيدًا عن الدين. وقد يعترض أحد بضرب مثل بالغرب المتقدم الذي نجح في فصل الدين عن السياسة. وهو ما أرد عليه بالقول إن الغرب لم يفصل الدين عن السياسة بل فصل المذهبية عن السياسة، والدليل أنه بالنظر لورقة الدولار الأمريكي سنجد عبارة (نثق في الله In God We Trust)، وهناك الكثير من الشواهد الدالة على ارتباط الدين بالسياسة في المنظومة الغربية المعاصرة، فنحن لم نسمع عن رئيس غربي عادى المسيحية أو أعلن انفصاله عنها».

وهذا ما أكد عليه الدكتور مصطفى حلمي في عرض حديثه عن الصحوة الدينية في الغرب، فقال (٢): «وأخذت أستعيد قراءة ما كتبه الدكتور حامد ربيع رحمه الله [١٩٢٥ - ١٩٨٩م] (٣)، الذي درس تاريخ الكنيسة بعناية، وأثبت أن ما زعمه الغرب من الفصل بين الدين والدولة لم يتحقق إلا في العصور الوسطى، ثم لفترة استثنائية أثناء الثورة الفرنسية» اهـ.

ولهذا، وكما يقول الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل (٤): «نجزم أن العَلْمانية عند اليهود وعند النصارى ظاهرة طارئة وعارضة، وهي أيضًا في طريقها إلى الاختفاء والأفول .. وعندها سيتجرد الصراع بشكله العقائدي، بين حق واضح يمثله المسلمون، وباطل صراح يمثله اليهود والنصارى. وستكون (أرض إبراهيم) هي ساحة ذلك الصراع في المستقبل، كما هي الآن في الحاضر، وكما كانت في الماضي البعيد» اهـ.

وأذكر أنني حينما سألت الأستاذ فاضل سليمان عن الغرب هل هو عَلْماني أم مسيحي؟ أجابني قائلًا: «الغرب أخذ أسوأ ما في الاثنين: جهل وغباء الملحد مع حقد

---

(١) انظر حواره مع جريدة (المصري اليوم)، عدد الأحد ١٣/ ١٢/٢٠٠٩م، ص (١٢).
(٢) د. مصطفى حلمي: هكذا علمتني الحياة (١/ ٤١ - ٢).
(٣) هو أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية السابق بجامعة القاهرة.
(٤) د. عبد العزيز مصطفى كامل: حُمَّى سنة ٢٠٠٠، ص (٢٤).