للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فنقول: إن المتتبِّع يلاحظ أن الرؤية السائدة المسيطرة في كثير من أحوالها على العقلية الإسلامية فيما يخص التاريخ اليهودي (المقدس) هي ذات الرؤية التي نجح الإعلام الصهيوني الخبيث في الترويج لها؛ «فكتابة التاريخ هي نقطة التقاء بين الماضي والحاضر، وبما أن الحاضر يتغير على الدوام، فإن نقطة الالتقاء هذه في حركة مستمرة، ومن خلال هذه النقطة، أي قراءة التاريخ، يستطيع المؤرخ أن يتسلل إلى العقل الفردي والجماعي بتقديم النماذج التاريخية والمواقف التي تخدم أهدافه» (١).

والرؤية (المقدسة) للتاريخ اليهودي، تتمثل في المتتالية الآتية: (نفي وشتات - إحساس يهودي دائم بالنفي والرغبة في العودة - قدوم المسيح - عودة وسيطرة تحت قيادته).

ولقد أحدث الصهاينة بعض التصرف في هذه المتتالية فصارت على النحو التالي: (نفي وشتات - إحساس يهودي دائم بالنفي والرغبة في العودة - عودة مجموعة من اليهود (عودة مادية فعلية) للإعداد لقدوم المسيح - قدوم المسيح - عودة وسيطرة تحت قيادته).

علمًا بأن الرؤية الإسلامية لهذه المتتالية لا تدور - بالطبع - في إطار التسليم بتحققها في المستقبل على الوجه الذي يبثه الصهاينة، وإنما تدور في إطار الاعتقاد في مساعي اليهود المنظمة المتصلة - منذ النفي إلى العودة - لتحقيقها.

وهذا قول رد، وهو زور وبهتان، دعمه - في نظري - أمران: الأول: هو التأييد الحالي لغالب اليهود للصهيونية ودعمهم إياها، حتى صارت كلمة يهودي ترادف في غالب أحوالها كلمة صهيوني (٢). والثاني: هو الترويج الواعي وغير الواعي لما جاء فيما يعرف باسم (پروتوكولات حكماء صهيون) وما شابهها، والتي يقول عنها الدكتور المسيري (٣): «لا أعرف أحدًا من الدارسين الجادين للظواهر اليهودية والصهيونية يعتمد هذا الكتاب مرجعًا لدراسته» اهـ.


(١) د. قاسم عبده قاسم: القراءة الصهيونية للتاريخ، ص (٥).
(٢) ولقد تبقَّت حركات يهودية صغيرة تناهض الصهيونية أحدها فيما أعلم حركة (ناطوري كارتا Neturei Karta) الأرثوذكسية.
(٣) د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (١٣).

<<  <   >  >>