المنزلة نفسها عند القيصر الجديد نيكولا الثاني .. إذن، فبعد أن انحسرت تلك الأيادي الخفية، وبعد كذلك أن فضح ماكسيم جوركي Maxim Gorky (١٨٦٨ - ١٩٣٦ م)[الأديب الماركسي المعروف] ألاعيبه ووصفه بالجاسوس الخائن، اضطر جولوفينسكي إلى الارتحال إلى پاريس.
وهناك، دفع به هنري بينت للعمل - في نفس المجال الذي احترفه - مع پيوتر راتشكوفسكي Pyotr Rachkovsky (١٨٥٣ - ١٩١٠ م) رئيس مكتب الپوليس السياسي الروسي (أوخرانا) في پاريس، والذي كان - كما تذكر بن-إيتو- مسئولًا عن تتبع الثوار المشتبه فيهم وعمل ملفات لكل المهاجرين الروس إلى پاريس. وقد كلف جولوفينسكي هذه المرة بتوجيه الصحف الفرنسية فيما يتعلق بمناقشتها للسياسة الروسية القيصرية، فكان - كما يذكر ليپيخين - يكتب المقالات التي كانت تنشر في كبرى الصحف الپاريسية بتوقيع صحافيين فرنسيين!
وكان راتشكوفسكي من الزمرة الأرثوذكسية المتعصبة، وأحد مؤسسي منظمة الأخوة المقدسة المؤمنة بوجود مؤامرة يهودية-ماسونية تتستر وراء التيار الليبرالي والإصلاحي في روسيا، وكان منشغلًا بكيفية إقناع نيكولا الثاني بصحة معتقده وبضرورة إصدار القرارات الوقائية لمواجهة ذلك الخطر الداهم، ذلك لأن نيكولا الثاني لم يكن يصغي لهذه الأفكار كإصغاء من سبقه من القياصرة، بل كان [رغم اتباعه لسياسة ألكسندر الثالث الرجعية] منشغلًا بالانتقادات الغربية الموجهة للسياسة الروسية لتمييزها ضد اليهود.
ومن ثم لجأ راتشكوفسكي إلى الحيلة؛ فكلف عميله الماهر ماتيو جولوفينسكي بإعداد وثيقة توحي بوجود مخططات يهودية سرية تقضي بالإطاحة بالتيار الروسي الأرثوذكسي المحافظ. وبالفعل توجه جولوفينسكي إلى المكتبة الوطنية في پاريس وعكف على تزوير كتاب (حوار في الجحيم) لموريس چولي. وقد أتم جولوفينسكي عمله - كما يرجح ليپيخين - في نهاية عام ١٩٠٠ أو في عام ١٩٠١م. وتذكر هداسا بن-إيتو أن الوثيقة عرفت في دوائر أوخرانا وقتها بـ (العَرَض الصهيوني The Zion Syndrome) كما لاحظ ذلك سرچي سفاتيكوف.
يذكر ميخائيل ليپيخين أن راتشكوفسكي كان يهدف إلى توجيه الوثيقة إلى القيصر على