للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجيب عن هذا الدكتور المسيري بقوله: «في تصوري أن إحساس الإنسان الأوروپي في أواخر القرن التاسع عشر بأزمته، وإدراكه السطحي المباشر لها بعد تزايد معدلات العلمنة والتصنيع في الغرب، ومع هيمنة القيم الداروينية والرأسمالية الجشعة، وبعد تفكك المجتمع التقليدي الذي كان يوفر له قدرًا كبيرًا من الطمأنينة، حتى وإن سلبه حريته وفرصه في الحراك الاقتصادي، أقول: إن الإدراك السطحي هو الذي جعل الجماهير في الغرب تتبنى نموذجًا تفسيريًا بسيطًا اختزاليًا يفسر كل ما يدور حولها ببساطة شديدة؛ فالمجتمع الذي يحاول اليهود فرضه على العالم، والذي تصوره الپروتوكولات، ليس عالمًا شريرًا بشكل شيطاني ميتافيزيقي (١)، وإنما هو في الواقع العالم الغربي الصناعي في القرن التاسع عشر، عالم سادت فيه القيم العَلْمانية الشاملة بتأكيدها على قيم مثل المنفعة واللذة، وبدأت تحل فيه علاقات التعاقد محل علاقات التراحم، ومن هنا كان الجمع بين الرأسمالية والاشتراكية باعتبارهما نظامين يبشر بهما اليهود، فكلاهما ثورة على المجتمع التقليدي بكل ما فيه من خير وشر. ومن هنا أيضًا الجمع بين نيتشه وماركس Karl Marx [١٨١٨ - ١٨٨٣ م]، فكلاهما فيلسوف مادي يرفض المجتمعات التقليدية.

فبرغم الاختلافات العميقة بين الرأسمالية والاشتراكية وبين نيتشه وماركس وداروين Charles Darwin [١٨٠٩ - ١٨٨٢ م]، فإن العامل المشترك الأعظم (أو نقطة البدء أو التلاقي) بين هذه الأفكار والنُّظُم المتناقضة إنها كلها تعبير عن زحف المجتمع الحديث على المجتمع التقليدي الذي بدأ بالثورة الفرنسية ووصل قمته في الثورة البلشفية» (٢).

ولقد «وجد الإنسان الغربي العادي نفسه في وسط هذا الزلزال، ولم يجد له تفسيرًا،


(١) الميتافيزيقا Metaphysics هي فرع من الفلسفة يبحث عن الحقيقة الأولية للوجود، سمَّاها أرسطو الفلسفة الأولى، وموضوعها هو ما يتجاوز الخبرة، كما يبحث في ماهية الإله والعالم والإنسان، وفيما وراء الطبيعة والحس.
(٢) د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (٣٧ - ٨) باختصار.

<<  <   >  >>