هذا من الناحية التاريخية، أما من الناحية الأدبية: فقد أفاض وأجاد الدكتور المسيري في الحديث عنها وفي كشف عوارها، وأحيلك على المجلد الثاني من موسوعته لعدم الإطالة ..
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي هيأ الأجواء الأوروپية لقبول هذه المناورة السياسية الروسية التي نتج عنها ما عرف في التاريخ بالپوجرومز Pogroms أو المذابح المنظمة التي شهدها يهود روسيا في الفترة من ١٩٠٣ إلى ١٩٠٦م وما تبعها من إبادة نازية على يد أدولف هتلر (١)،
وغيرها من مظاهر ما يعرف في العالم باسم (معاداة السامية)؟
(١) يقول الدكتور المسيري: «يرد في وسائل الإعلام الغربية رقم (ستة ملايين) باعتباره عدد ضحايا الإبادة النازية لليهود. وقد استقر الرقم تمامًا حتى أصبح من البدهيات، ولكن هناك رفضًا مبدئيًا للرقم في الأوساط العلمية اليهودية وغير اليهودية ...». وبعد أن طرح عدة أمثلة يقول: «وفي جميع الحالات، لا يمكن أن يزيد عدد من اختفوا على أربعة ملايين. ومؤخرًا، ذكر المؤرخ الإسرائيلي يهودا باور Yehuda Bauer، مدير قسم دراسات الهولوكوست في معهد دراسات اليهود في العصر الحديث التابع للجامعة العبرية، أن الرقم ستة ملايين لا أساس له من الصحة، وأن الرقم الحقيقي أقل من ذلك». ثم يشير المسيري إلى نقطة مهمة وهي أنه «بغض النظر عن الرقم مليون أو الأربعة أو الستة ملايين، فإن ثمة خللًا أساسيًا في المنطق الصهيوني يمكن تلخيص بعض جوانبه فيما يلي ...»، وكان من الجوانب التي ذكرها «التركيز على اليهود بالذات دون الجماعات الأخرى؛ فمع أن اليهود عانوا، مثلهم في ذلك مثل غيرهم من ضحايا النازية، إلا أن سياسة هتلر في الإبادة كانت موجهة أيضًا نحو الغجر والكاثوليك والمعارضين السياسيين والمرضى والمتخلفين عقليًا والسلاف عامةً والپولنديين والروس على وجه الخصوص. وقد بلغ عدد ضحايا الحرب ما بين خمسة وثلاثين مليونًا وخمسين مليون» اهـ[للتوسع، انظر، د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (٢/ ستة ملايين يهودي: عدد ضحايا الإبادة النازية ليهود أوروپا؟)] .. ومعلوم أن إنكار الهولوكوست في بلاد الغرب يعد جريمة لا تغتفر، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها قرار الحرمان الكنسي الذي أصدره مؤخرًا بنديكت بابا الفاتيكان ضد الأسقف ريتشارد وليامسون Richard Williamson بسبب ما صرح به من إنكاره لأفران الغاز وأن حصيلة من ماتوا في معسكرات النازي لا يزيدون عن مائتي أو ثلاثمائة ألف، وأنهم لم يموتوا بأفران الغاز كما يشاع. ولقد رفض المجلس القضائي الكنسي العفو عن ويليامسون، بدعوى أن ذلك قد يوحي بأن نفي المحرقة (أمر مسموح به)! وجاء ذلك بعد أن هدد وزير الشئون الدينية الإسرائيلية إسحاق كوهين Yitzhak Cohen «بقطع كامل العلاقات مع الهيئة التي تضم بين أعضائها منكرين للهولوكوست ومعادين للسامية»، وذلك في تصريحه لمجلة (دير شپيجل Der Spiegel) الألمانية الأسبوعية، عدد ٢ فبراير ٢٠٠٩م. الأمر الذي أثار الصحافي روبرت فيسك ودفع به إلى التساؤل حول موقف بابا الفاتيكان الحريص كل الحرص على إرضاء اليهود، وذلك في مقالته بجريدة (الإندپندنت) في ٢٨ فبراير ٢٠٠٩م بعنوان: (أخضعوا كلمات البابا للاختبار، ولن تستنتجوا إلا شيئًا واحدًا Examine the Pope's words, and there's only one thing to conclude).