للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيء بالرجوع إلى مقولة (يد اليهود الخفية).

ولعل ما ساعد على إشاعة هذا النموذج التفسيري الساذج أن الوجدان المسيحي كان يجعل من اليهودي قاتل الرب رمزًا لكل الشرور. وقد شهدت نهاية القرن التاسع عشر عصر الهجرة اليهودية الكبرى، ولذا كان هناك يهود في كل مكان، يهود لا جذور لهم في طريقهم من شرق أوروپاإلى الولايات المتحدة. وكما هو معروف، فإن الإنسان المهاجر المتنقل لا يلتزم بكثير من القيم. ولكل هذا، أصبح اليهودي رمزًا متعينًا لعملية ضخمة لم يكن الإنسان الأوروپي يفهمها جيدًا رغم شقائه الناجم عنها، وهي الثورة العَلْمانية الشاملة الكبرى (بشقيها الاشتراكي والرأسمالي)، وهي ثورة لم يكن اليهودي يشكل فيها سوى جزء بسيط من كلٍّ ضخم مُركَّب. بل إن العقيدة اليهودية ذاتها سقطت ضحية هذه الثورة، وفقدت قطاعات كبيرة من الجماعات اليهودية هويتها نتيجةً لها» (١).

«فبإدراكه السطحي للأمور، بدأ الإنسان الغربي يبحث عن سبب واضح مباشر، وحيث إنه تصور أن اليهود كتلة واحدة متماسكة، وحيث إن اليهودي هو قاتل الرب وهو الشحاذ الذي يتسول، والثري الذي احتكر الأسواق، والثوري الذي يقلب نظام الحكم، والحاخام الذي يتمسك بشعائر دينه، والقوَّاد الذي يصطاد الفتيات ويقودهن للدعارة، وهو شيلوك [التاجر اليهودي المرابي]، وهو دراكيولا Dracula [مصاص الدماء] ... كان من الطبيعي أن يصبح رمزًا متعينًا لعملية انقلابية بنيوية ضخمة سببت البؤس والشقاء له، ولكنه لم يدرك أسبابها أو عمقها أو شمولها أو تركيبتها. وجاءت الپروتوكولات وزودته بهذا النموذج التفسيري البسيط، فأراحته وهدأت من روعه وضللته وأخفت عنه الأسباب الحقيقية المؤدية لاغترابه وشقائه» اهـ (٢).

نهاية، فهذا اجتهاد قد يصيب أو يخطئ، وعلى كلٍّ، فقد يقال في حق اليهود، إن جاز لنا القول: «رب ضارة نافعة»!؛ فإن الترويج لهذه الپروتوكولات خدم كثيرًا - وما زال -


(١) د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (٢/ پروتوكولات حكماء صهيون) باختصار.
(٢) د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (٣٩) بتصرف يسير.

<<  <   >  >>