للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع هذا، لا بد أن نقرر أن يهود البلاط كانوا أقل هامشية من أقنان البلاط والتجار والمرابين اليهود، إذ تحركوا نحو المركز قليلًا من الناحية الوظيفية والاقتصادية والحضارية. فكان يهود البلاط يندمجون حضاريًا في المجتمع الذي يعيشون فيه فيرتدون رداءً أوروپيًا، ويسلكون سلوكًا أوروپيًا، يعيشون خارج الجيتو، ويتمتعون بحرية الحركة، ولا يدفعون أية ضرائب، ويتمتعون بكثير من الحقوق المدنية التي لا يتمتع بها بقية أعضاء الجماعة اليهودية. كما كانوا يُمنحون ألقابًا لا تُمنَح إلا للنبلاء. وكانت مصالحهم الاقتصادية مرتبطة تمامًا بمصالح الملك أو الحاكم أو الدولة، وكثيرًا ما كانت تتعارض مع مصالح الجماعات اليهودية الأخرى، بل كان بعضهم يقف ضد هجرة اليهود إلى بلادهم ويؤلبون الملك ضد المهاجرين الجدد. وقد كان يهود البلاط واعين تمامًا بالتحولات الثقافية والمالية العميقة في المجتمع الأوروپي، ولذا كانوا من أوائل العناصر التي رحبت بحركة التنوير اليهودية وشجعوا دعاتها. ويُلاحَظ أن كثيرًا من أبناء يهود البلاط قد تَنصَّروا، ربما بسبب الجو الثقافي الاندماجي الذي نشأوا فيه.

ومع هذا، كان ليهود البلاط موقف القيادة والزعامة بين يهود البلد الذي يعيشون فيه، ولكنها كانت قيادة مفروضة من الخارج، من عالم الأغيار، وتستمد شرعيتها من نجاحها فيه، وكانت قيادتهم مطلقة حتى إن أحد يهود البلاط أصر على أن تكون كل المناصب القيادية في إحدى الجماعات اليهودية مقصورة على أفراد أسرته، وهو أمر لم يكن شاذًا في عصر الملكيات المطلقة. وقد وصف أحدهم روتشيلد بأنه «ملك اليهود، ويهودي الملك»، وهو وصف دقيق لوضع يهود البلاط وعلاقتهم بكلٍّ من النخبة الحاكمة غير اليهودية وأعضاء الجماعة اليهودية.

وقد أصبحت وظيفة يهود البلاط وراثية وتحولوا إلى أسر مالية أرستقراطية تتصارع فيما بينها على النفوذ والسلطة وأصبحوا طائفة مغلقة يتزاوج أفرادها فيما بينهم ويستبعدون اليهود العاديين. ويمكن القول بأن صورة يهودي البلاط كعبقري ساحر، وكصاحب نفوذ يُقرِض الملوك والأمراء، قد تجذرت في الوجدان اليهودي في الغرب (١).

...


(١) السابق (٢/ يهود البلاط) باختصار.

<<  <   >  >>