للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يهودا. وقد ضربت هذه العقيدة جذورًا راسخة في الوجدان اليهودي. ويفسر الحاخامات تأخُّر وصول الماشَّيح بأنه ناتج عن الذنوب التي يرتكبها الشعب اليهودي، ولذا فإن عودته مرهونة بتوبتهم.

وثمة محاولات قامت بها المؤسسات اليهودية الحاخامية لتهدئة التطلعات المشيحانية المتفجرة [والتي كانت تفرز كل حين بعض الدجالين أدعياء المشيحانية أمثال شبتاي تسِفي Shabbetai Tzevi (١٦٢٦ - ١٦٧٦ م) وچيكوب فرانك Jacob Frank (١٧٢٦ - ١٧٩١ م) وغيرهم] .. فركزت على الجانب الإلهي لعودة الماشَّيح، وعلى الماشَّيح من حيث هو أداة الإله في الخلاص. وبناءً على ذلك، أصبح من الواجب على اليهود انتظار عودة الماشَّيح في صبر وأناة، ويصبح من الكفر أن يحاول فرد أو جماعة التعجيل بالنهاية (دحيكات هاكتز Dahikat ha-Ketz) (١) .

ومما يذكره شاحاك وميز?ينسكي أن «الحاخام موشيه نخمانيدس Moshe Ben Nachman (Nachmanides) [١١٩٤ - ١٢٧٠ م] كان الزعيم اليهودي الوحيد الذي كان يؤمن بأن اليهود يجب عليهم ليس فقط الهجرة ولكن أيضًا أن يقوموا بغزو أرض إسرائيل، وهناك حاخامات آخرون ذوو أهمية في ذاك الوقت وفي أوقات أخرى لمدة قرون عديدة تجاهلوا أو اختلفوا بقوة مع رأي نخمانيدس» (٢).

ولو نظرنا إلى الفكر الكاثوليكي التقليدي، نجد أنه لم يكن فيه - قبل عهد الإصلاح الديني - أدنى مكان لاحتمال العودة اليهودية إلى فلسطين، أو لأية فكرة عن وجود الأمة اليهودية. وكان القساوسة الأوائل يرفضون التفسير الحرفي للتوراة ويفضلون الأساليب الأخرى للتفسيرات اللاهوتية وبخاصة التفسيرات المجازية التي أصبحت الأسلوب الرسمي للتفسير التوراتي كما وضعته الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. وكان يعتقد أن الفقرات الواردة في التوراة، وبخاصة في العهد القديم، التي تشير إلى عودة اليهود إلى وطنهم لا تنطبق على اليهود بل على الكنيسة المسيحية مجازًا. أما اليهود فإنهم، طبقًا


(١) د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (٥/ الماشَّيح والمشيحانية) باختصار وتصرف.
(٢) شاحاك وميزفينسكي: الأصولية اليهودية في إسرائيل (١/ ٦٢).

<<  <   >  >>