للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نظام إداري مركزي قوي»، ولكن «يجب التنبيه إلى أنه لا يوجد مسار تاريخي واحد لظاهرة الجيتو، وخصوصًا بعد القرن الخامس عشر الميلادي مع بداية ظهور التشكيلات القومية الغربية المختلفة ومع اختلاف معدلات العلمنة والتحديث والثراء والفقر والصراع الطبقي فيها» اهـ (١).

ولو أردنا إلقاء نظرة سريعة على الحياة داخل الجيتو، نجد أن الجيتوات كانت «محاطة بأسوار عالية، ولها بوابات تغلق بالمزاليج ليلًا، ويُمنع اليهود من مغادرتها بعد منتصف الليل وفي أيام الآحاد وأعياد المسيحيين، وكانت هناك أحكام دقيقة أخرى تُغلق وتُفتح بمقتضاها هذه البوابات التي يحرسها حراس مسيحيون يتقاضون أجرًا من اليهود. وكانت حارات اليهود في أغلب الأحيان تقع في إحدى المناطق المجاورة أو في أقذر الأحياء وأحقرها داخل المدينة، وكانت شوارع هذه الأحياء ضيقة وغير ممهدة ومتعرجة، وتكثر فيها الحفر المملوءة بالقمامات والفضلات، كما كانت هذه الحارات موحلة في أغلب الأوقات بسبب عدم وجود مجاري في المنازل، ومن ناحية أخرى فقد اتسمت حارات الجيتو بالازدحام الشديد والضجيج المستمر، حيث يوجد الباعة المتجولون في كل مكان ينادون بأعلى صوت ليروِّجوا بضائعهم المحمولة على أكتافهم أو التي وضعوها على عربات اليد أو عربات الكارو التي تجرها الحيوانات، بالإضافة إلى النساء اللاتي يتجمعن بجانب الطرقات وعلى عتبات البيوت ليثرثرن ويحدثن ضوضاء شديدة، والأولاد الذين يتسكعون في شوارع الجيتو ويتبولون في الطرقات.

وكانت كثافة السكان عالية جدًا في أحياء الجيتو بسبب الزواج المبكر وزيادة التناسل. وعلى الرغم من الكثافة السكانية العالية، فإن الحكومات كانت تحدد مساحة معينة كي يقام عليها الجيتو (٢)، ونظرًا لضيق هذه المساحة فقد كان امتداد المنازل يقام بشكل


(١) السابق، بتصرف يسير.
(٢) يذكر الكاتب اليهودي عاموس إيلون Amos Elon (١٩٢٦ - ٢٠٠٩ م) أن «هذا الاكتظاظ لم يكن نتيجة الضغط الخارجي، ولكنه كان انكماشًا داخليًا، ربما كانوا ينكمشون خوفًا من الفضاء المترامي والخلاء الرهيب، وربما من عالم الغرباء». [انظر، د. سناء عبد اللطيف: الجيتو اليهودي، ص (٤٠)، نقلًا عن: الإسرائيليون، المؤسسون والأبناء The Israelis, Founders and Sons، لعاموس إيلون، ص (٦٨)، مترجم عن العبرية، الهيئة العامة للاستعلامات، غير منشور].

<<  <   >  >>