للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي طليعتها الخيوط الدينية (١). وتكمن أهمية حركة الإصلاح الديني بالنسبة للصهيونية غير اليهودية فيما حققته عن غير قصد وبشكل لاشعوري أكثر مما حققته بأهدافها وإنجازاتها المباشرة (٢)؛ فإن حركة الإصلاح التي وضعها لوثر بتحديه الصريح للسلطة الدينية القائمة كانت تبشر بعهد جديد من التسامح الذي كان له تأثير إيجابي في الحياة اليهودية. لم تعد الكنيسة الكاثوليكية تُدعى بأنها عالمية، ولم يعد اليهود يُنبذون باعتبارهم الدخلاء الوحيدين. وللمرة الأولى لم يعد اليهود أشد الأقليات الدينية اضطهادًا، إذ واجهت مجموعات مسيحية منشقة كالمعمدانيين Baptists وفرق پروتستانتية أخرى نفس المصير. وخلال الحروب الدينية أصبح ما يتعسر تحقيقه بالعقل والإدراك السليم يحل في ميدان المعارك. وقد تضافر سلام أوجسبرج Augsburg (١٥٥٥ م) ومجلس ترنت Trent (١٥٤٥ - ١٥٦٣ م) ومعاهدات وستفاليا Westphalia (١٦٤٨ م) على جعل المجتمع الأوروپي عَلْمانيًا، وانبثق التسامح عن الضرورة السياسية (٣).

ولقد أحدث نشر النصوص التوراتية بشكلها الأصلي الذي لم يكن مشوبًا بالتفسيرات الكنسية الرسمية، ثورة في الفكر الپروتستانتي (٤)؛ حيث جاءت الپروتستانتية بفكرة إقامة الحقيقة الدينية على أساس الفهم الشخصي دون قيود على التفسيرات التوراتية، فكان كل پروتستانتي حرًا في دراسة الكتاب المقدس واستنتاج معنى النصوص التوراتية بشكل فردي، وهذا بالتالي فتح الباب لبدع في اللاهوت المسيحي، وأصبح التأويل الحرفي البسيط هو الأسلوب الجديد في التفسير بعد أن هجر المصلحون الپروتستانتيون الأساليب التقليدية الرمزية والمجازية (٥).

ولقد أكدت الپروتستانتية الجانب العبراني في المسيحية على حساب ما وسمته بأنه


(١) د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (١٩) بتصرف يسير.
(٢) السابق، ص (٣٥).
(٣) السابق، ص (٣٤) بتصرف يسير.
(٤) السابق، ص (٣٥).
(٥) السابق، ص (٢٤) بتصرف يسير.

<<  <   >  >>