ومن المفاهيم التي تطورت كذلك ظهور الاهتمام بتحقيق النبوءات التوراتية المتعلقة بنهاية الزمان. وكان جوهر (العصر الألفي السعيد) هو الاعتقاد بعودة المسيح المنتظر الذي سيقيم مملكة الله في الأرض والتي ستدوم ألف عام. واعتبر المؤمنون بالعصر الألفي السعيد مستقبل الشعب اليهودي أحد الأحداث المهمة التي تسبق نهاية الزمان. والواقع أن التفسير الحرفي لنصوص سفر الرؤيا قادهم إلى الاستنتاج بأن عودة اليهود كأمة إسرائيل إلى فلسطين هي بشرى الألف عام السعيدة. لكن ارتداد اليهود للمسيحية عنصر مهم لتحقيق ذلك، بل إن بعض الفرق كانت تصر على اعتناق اليهود للمسيحية قبل بعثهم، بينما اعتقد آخرون أن ذلك سيتم بعد عودتهم لفلسطين.
وخلال تاريخ الكنيسة المسيحية استمر الاعتقاد الأخروي بعودة المسيح السريعة، وشاع ذلك الاعتقاد في القرن الأول الميلادي وكان يظهر بين فينة وأخرى خلال فترات الاضطراب السياسي والاجتماعي. ولكن الأمر الذي ينبغي ألا يغرب عن البال أن فكرة نهاية الزمان كانت مدمِّرة وتعتبر تهديدًا لأمر الكنيسة في العصور الوسطى.
وبعد أن أصبحت المسيحية هي الديانة الرسمية للإمپراطورية الرومانية عام ٣٨٠م عقد القساوسة الأوائل العزم على استئصال شأفة أفكار وتوقعات المؤمنين بالعصر الألفي السعيد. ويبدو مجازًا بأنها حالة روحية وصلت إليها الكنيسة في عيد العنصرة (١)، أي بعد موت وبعث المسيح [وفق اعتقادهم]. وكانت حركة الأقليات شبه الطائفية التي سبقت عهد الإصلاح الديني والتي كانت تعبر عن حنينها للعصر الألفي السعيد مضطرة للبقاء سرية بسبب اضطهاد الكنيسة في روما لها واعتبار تعاليمها كفرًا ..
ولكن لم تتعمق حركة بعث الشعب اليهودي في تعاليم هذه الحركات التي كانت تنتظر اعتناق اليهود للمسيحية سريعًا، ومع أن فكرة العصر الألفي السعيد لم تسُد حتى في أوساط الفئات الپروتستانتية الرئيسة (حيث استمر لوثر وكالفن مثلًا على التمسك بتعاليم أوغسطين حول هذه الفكرة)، إلا أنها ظهرت في أوساط الجماهير وتسربت أفكارها إليهم. واستمرت هذه الحركة في استقطاب أنصار لها في كل فترات التاريخ التي تلت
(١) وهو عيد حلول الروح القدس على التلاميذ، وميلاد الكنيسة في أورشليم.