للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكتاب. وأخذ التاريخ الشامل لفلسطين يقلص بشكل تدريجي إلى أن اقتصر على القصص المتعلقة بالوجود اليهودي وحده، وأصبح الأوروپيون مهيئين للاعتقاد بأنه لم يكن هناك في فلسطين إلا الأساطير والقصص التاريخية والخرافات الواردة في العهد القديم، والتي لم تعد تؤخذ على حقيقتها، بل اعتبرت تاريخًا صحيحًا؛ فصارت لا هجرة سوى هجرة إبراهيم ولا وجود لمملكة غير مملكة داود التي سبقتها وتلتها ممالك كثيرة، ولم يعد الناس يذكرون من الثورات إلا ثورة المكابيين (١٦٧ق. م). وكان يبدو وكأن لا وجود للشعوب الكثيرة التي استوطنت وعاشت في فلسطين، مع أن معظمها عاش فترات أطول من اليهود (١). وميزة الأساطير الصهيونية تكمن في الدمج الوثيق بين العناصر القومية والتاريخية والدينية التي تشير إلى العلاقة بين العهد القديم والأرض المقدسة والشعب المختار (٢).

وأدى ذلك بالتالي إلى تطور عدة مفاهيم؛ فلقد أصبحت فكرة أن الحج المقدس يكفر الخطايا مرفوضة، كما أنكرت شفاعة القديسين وتبجيل رفاقهم. لكن ذلك لم يُنس الناس الأرض المقدسة تمامًا، بل إنها حظيت بأهمية جديدة حيث ارتبطت بدلالات صهيونية. وكانت فلسطين باعتبارها أرض الشعب المختار، ماثلة في الخيال الپروتستانتي والطقوس الپروتستانتية، وأصبح الربط بين الأرض وأهل الكتاب يرد في الطقوس والشعائر الپروتستانتية، بل وفي الأسماء التي كان الپروتستانت يطلقونها على أبنائهم. وهكذا أصبحت فلسطين أرضًا يهودية في الفكر المسيحي في أوروپاالپروتستانتية وأصبح اليهود هم الفلسطينيين الغرباء في أوروپاوالذين سيعادون إلى فلسطين عندما يحين الوقت المناسب.

وعندما أصبح ذلك جزءًا من طقوس العبادات والصلوات في الكنيسة، اتخذت التعاليم الصهيونية غير اليهودية شكلًا ثابتًا، وحظيت بمكانة راسخة في ضمير أوروپاالقومي (٣).


(١) السابق، ص (٢٥ - ٦) باختصار وتصرف.
(٢) السابق، ص (٢٠).
(٣) السابق، ص (٢٤ - ٥).

<<  <   >  >>