١ - احتلال مصر كبداية لعملية إرث الخلافة، والزحف منها إلى فلسطين والشام.
٢ - ثم العمل على قطع طرق المواصلات البريطانية، وهو يومئذ عقد من اللآلئ حبة بعد حبة، وآخرها أغلى الجواهر في التاج البريطاني، وهي الهند.
وفي سبيل تحقيق أغراضه، لم يتردد ناپليون أمام الموانع والذرائع؛ فعند غزو مصر كان ادعاؤه أنه الصديق الصدوق لخليفة المسلمين العثماني، وأنه الحريص على تثبيت سلطانه المهدد من المماليك في الداخل أو الملوك المسيحيين في الخارج، ووصل ناپليون إلى حد ادعاء الإسلام إيمانًا - كما قال! - بصدق وصفاء تعاليمه.
ولم يخف عليه خطورة التقاء الضلعين (المصري والسوري)؛ فلقد أدرك ناپليون أن التقاء الزاوية الجنوبية الشرقية للبحر المتوسط ودخولها في إطار سياسي واحد يجعل كل ضلع منها تأمينًا للضلع الثاني، وهو ما سعى إليه على مر العصور فراعنة مصر وأباطرة الإغريق وقياصرة الرومان وأكاسرة الفرس، بل والفاتحون المسلمون كذلك، ولكن لم يكن ذلك من مصلحة ناپليون. ولذا، ولكي يضمن عدم التقاء الضلعين عربيًا وإسلاميًا، فإن عليه أن يزرع عند نقطة التقائهما، أي عند مركز الزاوية، شيئًا آخر لا هو عربي ولا هو إسلامي. لكن هذا الزرع لا يمكن خلقه من العدم، وإنما يحتاج خلقه إلى بذور وإن كانت من چينات حفريات الأنثروپولوچيا بحيث يمكن غرسها في التربة، فإن جرى ريها وأورق بعضها فحينئذ قد يصعب التمييز بين الأصيل والدخيل، وبين الطبيعي والهجين.
ولذا، عندما بدأ ناپليون زحفه من مصر إلى الشام داخلًا من فلسطين، توقفت جيوشه عند أسوار القدس وعكا ويافا، وغيرها من حصون المسلمين. وهنا أزاح ناپليون ورقته الإسلامية وأخرج ورقة ثانية يهودية!
وكانت ورقة ناپليون اليهودية التي أظهرها أمام أسوار القدس، نداء إلى يهود العالم لم يوزع في فلسطين وحدها، وإنما جرى توزيعه في الوقت نفسه في فرنسا، وإيطاليا، والإمارات الألمانية، وحتى في إسپانيا، الأمر الذي يشير إلى أن القضية أكبر وأوسع من ظرف محلي واجهه ناپليون حينما استعصت عليه أسوار القدس.
كان نداء ناپليون إلى يهود العالم على النحو التالي: