وثماني عشرة سنة، بل إن وايزمان وصف ناپليون بأنه "أول الصهيونيين الحديثين غير اليهود"» اهـ.
كانت فكرة ناپليون (العبقرية) في ربط وتوليف واستغلال الظواهر البادية مع مقدمات القرن التاسع عشر تتمثل في عدة خطوات:
١ - استعمال ظاهرة الوطنية في إيقاظ وعي يهودي يلتقط فكرة حق تقرير المصير، ويطالب بوطن قومي لليهود ينقذهم من الشتات ويريحهم - ويريح أوروپاأكثر - من عبء موجات الهجرة المتدفقة من يهود الشرق.
٢ - اللعب على الوتر الديني اليهودي، وأساطيره، لتكون فلسطين - وهي وقتئذ من أملاك الخلافة العثمانية التي يتسابق الكل على إرثها - وطن اليهود الموعود والمختار.
٣ - فإذا نشأت دولة يهودية برعاية فرنسا في فلسطين، فتلك إذن نقطة بداية مهمة لخططها الإمپراطورية في قلب أملاك الخلافة العثمانية.
٤ - وإذا نجحت هذه التوجهات فإن فرنسا تكون قد بدأت عملية إرث الخلافة، وتكون قد حصلت على النصيب الأكبر من التركة قبل أن تتنبه القوى الأخرى وتتحرك. وحتى إذا تحركت فإن فرنسا سوف تكون بالفعل هناك قبل الكل وفي موقع أقوى وأفضل.
وكانت حملته الشهيرة على مصر (١٧٩٨م) - حملة النيل كما سماها - تستهدف غرضين في نفس الوقت (١):
(١) يقول أبو فهر رحمه الله: «كان أول من حرَّض فرنسا على اختراق دار الإسلام في مصر، هو الفيلسوف الرياضي الألماني جوتفريد فيلهيلم (لايبنتس) Gottfried Wilhelm Leibniz [١٦٤٦ - ١٧١٦ م]، وكان قد التحق بالسلك الديپلوماسي، وقضى أربعة أعوام في پاريس (١٦٧٢ - ١٦٧٦م) في بلاط لويس الرابع عشر Louis XIV [١٦٣٨ - ١٧١٥ م]، فقدم إليه في سنة ١٦٧٢م تقريرًا يحرِّضه فيه على اختراق دار الإسلام في مصر، ويقول له فيه: "إنكم تضمنون بذلك بسط سلطان فرنسا وسيادتها في بلاد المشرق (أي في دار الإسلام) إلى ما شاء الله، وتكسبون عطف المسيحية وتستحقون ثناءها، وهنالك لا تخسرون عطف أوروپا، بل تجدونها مجمعة على الإعجاب بكم"». ثم يعلق أبو فهر قائلًا: «فأعجب لفيلسوف رياضي ألماني لم تشغله رياضته ولا فلسفته عن تحريض فرنسا على غزو مصر، لتكسب عطف المسيحية الشمالية وتستحق ثناءها، وتضمن بسط سلطانها على دار الإسلام إلى ما شاء الله!! وذلك قبل حملة ناپليون بأكثر من مائة سنة» اهـ[انظر، أبو فهر محمود شاكر: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص (١١٤ - ٥) بتصرف يسير].