للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل تَزايُد نفوذ النبلاء يعود إلى سمة فريدة في پولندا بين الدول الغربية، وهي تعددية الإمپراطورية الپولندية إثنيًا وجغرافيًا ودينيًا (١).

وكان النبلاء في پولندا، برغم سطوتهم وقوة نفوذهم، يتبعون قوانين جامدة، فكانوا يتمتعون بمكانتهم (إذا كانوا من صلب إحدى الأسر النبيلة) ما داموا لا يعملون بالتجارة، وكان اشتغالهم بالتجارة يعني فقدانهم مكانتهم ووضعهم. ولذا، كان يوجد نبلاء فقراء (النبلاء الحفاة) مُعْدِمُون يفضلون الجوع والفاقة على العمل بالتجارة. وأدَّى ذلك إلى التحالف بين قطاعات منهم وبين اليهود كعنصر تجاري نشيط يمتلك الخبرات والأموال المطلوبة للأعمال التجارية. وبلغت أهمية أعضاء الجماعة اليهودية درجة كبيرة حتى إنه حينما فكرت أعداد منهم في الهجرة إلى الدولة العثمانية في القرن السادس عشر، منعهم ملك پولندا بالإقناع والقوة.

وكان أعضاء الجماعة اليهودية يستقرون في مدن صغيرة أسسها النبلاء، فكانوا يمنحونهم حق السكنى فيها نظير الدفاع عنها، وهي المدن التي عُرفت باسم (الشتتل Shtetl). وكان سكان هذه المدن من اليهود أساسًا.

وكانت حاجة النبلاء الإقطاعيين إلى المال تزداد يومًا بعد يوم، فكانوا يقترضون من اليهود. وأدى هذا كله إلى ظهور نظام الأرندا Arenda (الاستئجار) كشكل أساسي من أشكال الإقطاع الاستيطاني. فكان النبيل الإقطاعي يستدين من المرابي اليهودي مبالغ طائلة للوفاء باحتياجاته بضمان ضيعته وغلتها وعوائدها. وبالتدريج، اضطلع أعضاء الجماعة اليهودية بعملية استئجار المزرعة وإدارتها نيابةً عن النبيل الإقطاعي الغائب في وارسو Warsaw (عاصمة پولندا)، والذي كان يترك زمام الأمور في يد الوكيل.

لكل ما تقدَّم، أصبحت السلطة المباشرة شبه المطلقة في يد اليهودي الذي كان يدير الضيعة، فهو الذي يُطبِّق القانون ويقرر العقوبات والغرامات وينفذها بمساعدة الجنود الپولنديين (٢).


(١) السابق (٤/ النبلاء الپولنديون (شلاختا)) بتصرف يسير.
(٢) السابق (٤/ پولندا من القرن السادس عشر حتى انتفاضة القوزاق) باختصار.

<<  <   >  >>