للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويمكن أن نرى هنا الجذور الحقيقية للمسألة اليهودية؛ إذ إن تحول اليهود إلى أداة استغلال، أو إلى جماعة وظيفية وسيطة، يعني أنهم كانوا يقفون ضد أغلبية طبقات المجتمع لا يرتبط مصيرهم بمصيره، وخصوصًا أن الطبقة التي ارتبطوا بها لم تكن طبقة وطنية، بل طبقة مرتبطة بالنفوذ الأجنبي. ولذا، فحينما ظهرت طبقة بورچوازية وطنية في پولندا، لم يكن بإمكان اليهود أن ينخرطوا في سلكها فظلوا خارجها. كما ارتبطوا بطبقة كانت عمليًا مسئولة عن ضعف پولندا وتَحوُّلها من دولة عظمى إلى دويلة صغيرة ثم عن اختفائها نهائيًا مع بداية القرن التاسع عشر. واختفت طبقة النبلاء مع تقسيم پولندا وتحول كثير من النبلاء إلى مهنيين (١).

ولقد تعرَّض تماسُك يهود اليديشية لعدة هجمات وضربات من الخارج، كانت أولاها هجمات شميلنكي عام ١٦٤٨م التي بدأت تُخلخل وضع الجماعة اليهودية (٢)،

ثم كانت الضربة الثانية تقسيم پولندا (الأول والثاني والثالث) في الفترة ما بين (١٧٧٢ - ١٧٩٥م)


(١) السابق (٤/ النبلاء الپولنديون (شلاختا)).
(٢) انتفاضة شميلنكي: هي انتفاضة شعبية جرت في أوكرانيا ضد الاستعمار الاستيطاني الپولندي وقوات الاحتلال التي كانت تحميه وكل المؤسسات التي تتبعه (الكنيسة الكاثوليكية والوكلاء اليهود)، قادها بوجدان شميلنكي Bohdan Chmielnicki (١٥٩٥ - ١٦٥٧ م). وتعد هذه الانتفاضة من أهم الحوادث التاريخية التي أثرت في الجماعات اليهودية في شرق أوروپا. وقد كانت انتفاضة شميلنكي في جوهرها شكلًا من أشكال الثورة الشعبية لا تختلف عن مثيلاتها من ثورات الفلاحين ضد الإقطاعيين ووكلائهم. وهي عادةً ثورات تأخذ في البداية شكل غضب شعبي عارم ورغبة شديدة في الانتقام، وهو في جوهره رد فعل لا عقل له لعملية القمع القاسية اللاعقلانية التي كانت تُمارَس ضد الفلاحين. وحسبما جاء في المصادر اليهودية المعاصرة، فقد أُبيد نحو ثلث يهود أوكرانيا. ولكن المؤرخين يميلون الآن إلى القول بأن هذه الأرقام مُبالَغ فيها، كما يميلون إلى أن أعدادًا كبيرة من اليهود فرَّت ثم عادت بعد أن هدأت الأحوال قليلًا. وربما يفسر هذا استمرار تزايد أعداد اليهود بعد الانتفاضة. وتنظر الدراسات الصهيونية إلى هذه الحادثة نظرة اختزالية كوميدية؛ إذ تُصوِّر اليهود باعتبارهم أقلية صغيرة يعيش أعضاؤها آمنين في مدنهم الصغيرة يتحدثون اليديشية، لا علاقة لهم بعالم الأغيار، وفجأة يهب هذا العالم ويذبح آلاف اليهود (وتبدو الواقعة بأسرها وكأنها شيء فجائي ليس له سبب واضح لأننا لا ندرك دور اليهود الوظيفي أو علاقتهم بالأغيار الپولنديين). ومن ثم فإن انتفاضة شميلنكي تصبح (مذبحة شميلنكي) ويُقارَن شميلنكي بهتلر. [انظر، د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (٤/ انتفاضة شميلنكي)] ..

<<  <   >  >>