للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن اليهود كانوا وسطاء ممثلين للإقطاع الپولندي، فإنهم اكتسبوا كثيرًا من صفات الفلاحين الأوكرانيين والپولنديين بكل خرافاتهم ونزعاتهم الدينية الغيبية، بل تأثروا بتقاليدهم الدينية المسيحية، وخصوصًا بجماعات المنشقين الدينيين الروس وبالـ (خليستي Khlysty) على وجه التحديد. وتزامن ظهور الحركة مع التدهور التدريجي للاقتصاد الپولندي إذ طُرد كثير من يهود الأرندا وأصحاب الحانات من القرى والمدن الصغيرة. وتسبَّب كل ذلك في ازدياد تَغلغُل الرؤى القبَّالية، الأمر الذي جعل أعضاء الجماعة اليهودية تربة خصبة للنزعات المشيحانية. ولذلك، ترك شبتاي تسِفي أعمق الأثر في بعض قطاعاتهم، وأصبحت پولندا، وخصوصًا پودوليا Podolia، مركزًا للحركات الشبتانية والفرانكية على وجه الخصوص.

وفي نهاية الأمر، ظهرت الحسيدية في المناطق الزراعية في پولندا التي ضُمَّت فيما بعد إلى روسيا (وهي أوكرانيا وروسيا البيضاء). وكانت القيادة الاجتماعية للحركة الحسيدية هي الطبقة الوسطى الصغيرة من بقايا يهود الأرندا ومستأجري الحانات وأصحاب المحال الصغيرة والباعة المتجولين (١).

ومما أدَّى كذلك إلى تفاقم الأوضاع السيئة الانفجار السكاني الذي حدث بين يهود العالم الغربي، وخصوصًا يهود اليديشية، إذ زاد عدد يهود العالم، في الفترة ما بين (١٨٥٠ - ١٩٣٥م) ستة أضعاف. وحيث لم يكن يهود الغرب يتزايدون، بل كانوا آخذين في التناقص، فإن نسبة الزيادة بين يهود اليديشية كانت في واقع الأمر أكثر من ستة أضعاف (٢).

ورغم المحاولات التي قامت بها حكومات البلاد الثلاثة لتحديث اليهود وتنويرهم، لم يُقدَّر للاتجاه الاندماجي الاستمرار لعدة أسباب:

- كان الاندماجيون بين اليهود شريحة اجتماعية صغيرة للغاية، تَوَجُّهها الثقافي پولندي ويتركز معظم أعضائها في وارسو أو في غيرها من كبريات المدن. أما الجماهير


(١) السابق (٤/ پولندا من انتفاضة القوزاق إلى التقسيم). والحسيديم Hasidim أو الحريديم Haredim هي طائفة يهودية أرثوذكسية صوفية متشددة، وحريدي تعني تقي.
(٢) السابق (٤/ يهود اليديشية أو يهود شرق أوروپا).

<<  <   >  >>