للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اليهودية العريضة، فكانت جماهير فقيرة تتحدث اليديشية ولم تتأثر بالقيم التحديثية والقومية الجديدة، كما كانت تعيش داخل مدنها الصغيرة (الشتتل) بمعزل عن الحضارة القومية. وكانت أعداد الجماعة اليهودية في پولندا من الضخامة بحيث إن اليهودي كان يُولَد ويَكْبَر ويموت دون أن يضطر إلى الاحتكاك بشكل دائم ويومي مع الحضارة الأم. وأصبحت الجماهير اليهودية ذات ثقافة فلاحية طابعها مسيحي. وحينما نقول ثقافة فلاحية في پولندا، فنحن نقصد أنها ثقافة متخلفة إلى حدٍّ ما، ومنعزلة عن الثقافة العالية وضمن ذلك الثقافة التلمودية نفسها. فانتشرت بين اليهود المعتقدات الشعبية والخرافات، وهو ما جعلهم أقل تَقبُّلًا لمحاولات التحديث والتنوير.

- ومن أهم العناصر التي أفشلت محاولات الاندماج ميراث الجماعة اليهودية التاريخي والاقتصادي الذي جعلها بمعزل عن التطور القومي الپولندي، بل وضعها في مجابهته وجعل يهود پولندا أعداءً لكل الطبقات الأخرى باستثناء بعض قطاعات من طبقة النبلاء. ومعنى هذا أنه كان هناك أساس ثقافي واقتصادي قوي للمواجهة بين البورچوازية الپولندية وأعضاء الجماعة اليهودية يحتاج إلى فترة طويلة من الكفاح القومي المشترك حتى يتسنى التوصل إلى أساس مشترك للكفاح والاندماج.

- أيضًا كان أعضاء الجماعة مركزين في مناطق حدودية تتصارع عليها دول ذات ثقافات مختلفة بل متصارعة؛ فكان هناك أولًا پولندا نفسها، ثم روسيا التي كانت تشجع الثقافة الروسية وعمليات (الترويس). ومن الناحية الأخرى، كان هناك ألمانيا والنمسا ذات الثقافة الألمانية. وكان اليهود أنفسهم يتحدثون اليديشية. وبعد كل تقسيم، كان يتعيَّن على اليهود، كنوع من الدواعي الأمنية، إعادة صياغة أنفسهم بما يتفق مع ثقافة الدولة المهيمنة. ومثل هذا الجو الذي لا يتسم بالتحدد الثقافي لا يساعد كثيرًا على تحديد شخصية اليهود الثقافية ولا على الولاء أو الانتماء القومي (١).

وفي عام ١٧٨٠م، بدأت الحركة القومية الپولندية تأخذ طابعًا معاديًا لليهود (باعتبارهم جماعة وظيفية مالية)، فطالبت بصبغ التجارة والصناعة بالطابع الپولندي،


(١) السابق (٤/ پولندا من انتفاضة القوزاق إلى التقسيم).

<<  <   >  >>